الاثنين، 27 يونيو 2011

البشير والعصا / حسن حجازي


البشير والعصا !!
حسن حجازي

///
لا تلقِ عصاك
فقد بَطُلَ السحر ,
لسنا في زمن الأنبياء
وأنتَ لستَ بنبي ,
سَلِم تَسْلَم
فأنتَ لستَ سيف الدين قظز
ولا الظاهر بيبرس
والخرطوم ليست عينُ جالوت
والزمنُ غير الزمن ,
ودون كيشوت
ما زالَ يغريه الركضُ
يلهيهُ اللهث
خلف الكلمات
و أشباح الظلم
بسيف من خشب
ورمحٍ من ضياء ,
طواحين الهواء
يا سيدي البشير
لا تدور إلا بدم العرب
وميزانُ العدلِ لا يُقام
إلا على رقابِ العرب
والأحكامُ لا تُنَفذُ
إلا على .... العرب !

أتى الطوفان
ما من وقتٍ
لصنعِ سفينة ,
الأيامُ ضنينة ,
فالغاباتُ ما عاد يأتيها مطر ,
من أين نأتي بالأحلام
بالشجر ؟
فهي فتنة
لا تُبقي ولا تذر ,
السحرة ما عاد يعنيهم
أن تبقى
أو ترحل
هو قراركَ أنت
تبقى أو أن تستعد للسفر ,
أنتَ لستَ بيوسف
والجُب لو مَرَ عليهِ السيارة
لتركوك
ما عادت تعنيهم
قرطبة
ولا بغداد
ولا الخرطوم
وليست دارفور وحدها
لكن الأمة كلها
الهدف ؟

السحرة يا سيدي
عيونهم أصبحت دوماً
ترنو نحو الغرب ,
ما عادت تعنيهم الحِنطة
ما دامت الصحراء تعجُ بالنفط
فليأتِ المطرُ هنا أو لا يأتِ
ما دامت البواخر تأتي من هناك
محملةً بالطِيب بالزبجرد
وبأزهى ثياب ,
والقميصُ المقدس
ملطخٌ بالدم
ليس من دم الذئب
حاشا لله
فدمُ الذئبِ صارَ أغلى
صار أنفس
صار اطهر
من كل الدم ,
ما دمنا نرنو دوماً للغرب
ما دمنا يا سيدي
نحيدُ عن الحق ,
هل سيأتي يوم
بدلاً من أن نصلي نحو الكعبة
ان نُؤمَر فتكون القبلةُ
نحو واشنطن
او نحو الغرب ؟!
أيها البشير
لا تلقِ عصاك
ربما تُجدي فيما سياتي
من ايام الضَنك
لكنَ الوادى صار بلا غنَم
لقد افترسوا كلَ الغنم
وأتوا على كلِ حلم
ربما ترنو إليه
أحلام ُ العرب !

////

استدراك :
ولمَا ألقي عصاه
لم نجد الثعبان
بل كان السامري
يبتسمُ وبيده مسبحة
ملطخةٌ بلونِ الدم
يداعبها مردداً:
واحد .... أثنان
هذا من فضلِ الرحمن !






تعقيبات هامة وشكرا لكل الحبة الذي أثروا بروحهم الطيبة وكلمتهم المشجعة هذا العمل الذي أعتز به كثيراً

////

الشاعر الكبير الصديق الاستاذ عاطف الجندي

العزيز حسن
قصيدة نثرية جميلة
تحدثت عن حاضر متهالك و ضعف عربي شامل
عار ما يحدث للبشير و عار ان نقف مكتوفي الأيدى أما هذه العصابة الدولية
ماذا يحدث و متى تنقشع هذه الغمة ؟
الله وحده يعلم ذلك
ختام القصيدة جديد و رائع جدا
أهنئك عليه
أخوك المحب

////

المبدع الستاذ
عادل عوض سند

لمتألق دائماّ
حسن حجازى
رائعه من روائعك تطل علينا من خلال قصيده نثريه كتبت بوعى الشاعر
المخلوط بهموم أمّه اصابها الوهن والخنوع والذله المصنوعه لها فقط .
من لا يحمل هموم هذا الوطن لا يستحق ان يحيا فوق ترابه .
قصيده هادفه بها من النزف ما يصبغ خريطه العالم العربى بأكمله
انار الله طريقك وكلل كتاباتك بالنجاح وتقبل كل ودى وتقديرى ...

////

د/ حسان محمد الشناوي

الأستاذ الكبير
حسن حجازي

لو أن العصا تتكلم لكان حديثها ما أبدعته هنا ايها المبدع الفريد
فقد ضممت الواقع المؤلم إلى جانب التاريخ الذي يوشك أن يضجر من إساءتنا إليه ، ويممت نحو القصص الرائق في أنبياء بني إسرائيل ، كأنما تؤكد ما في اليهود من غدر وخيانة ، وتبرهن في الوقت نفسه على ما حدث من خنوع فينا .
فلله درك من مدهش مذهل ، ولله قلمك المستمد من وجدانك وهو يعانق ما في واقعنا من هموم .
سلمت مبدعا متفردا ، ومجيدا متجددا .
لك التحية والإكبار .

////
بنوته مصرية

لأول مرة يطالبون القبض على رئيس دولة
حاجة غريبة يا استاذ حسن
لققطها بعدسة فنان
و كتبت عنها بقلم شاعر مرهف
تحياتى


////



مع تحياتي للمبدع الكبير
الأستاذ عاطف الجندي

http://elgendy.getgoo.net/t4922-topic

الخميس، 16 يونيو 2011

نتيجمة المرحلة الإعدادية لمجمع لغات ههيا التجريبي

مبروك للأبناء والطالبات
100في المائة نتيجة المدرسة
مبروك

للجميع
ومزيد من التميز والنجاح

مدير عام المجمع

حسن حجازي


http://school-yoo7.yoo7.com/t364-topic

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

قراءة نقدية في قصيدة عُد يا قمر /د/ مصطفى عطية جمعة



عُد يا قمر
• حسن حجازي


عُد يا قمر
فالقلبُ من لهيب ِ الشوق ِ
أضناهُ السهر
وفصولُ البوح ِ ما عادت لنا
ببشرياتِ الوصل ِ
تزفُ لنا خبر ,
عُد يا قمر
يا رفيق َ العشاق
يا سميرَ الأشواق
فقد سئمنا العيش َ
فى سراديب ِ الحُفر ,
سئمنا الركضَ
خلفَ أسوارِ المنايا
حولَ شطآن ِ الفِكَر ,
سئمنا الليالى
لما عادت بغيرِ حبيب ٍ
ينيرُ لنا سُويعات ِ العمر ,
أعترفُ بأنَ الحب َ كذوب
كالثلج ِ
عندَ طلوع ِ الشمسِ
• يذوب
كالمهرِ الجامح لا يهدأ
إلا فيثور
كعيدانِ القمحِ الشاحب ِ
فى الأرض ِ البور
كسحابةِ صيف ٍ
• لا تمطرُ أبداً
تحجبُ عنا النور
كالزلزال
كالبركان
كالقرصان
يسرقُ منا الأحلام
يبدد ُ دفءَ الأيام
يقتلُ سحرَ الأنغام
نصيرُ أنغاماً
منزوعة َ الوتر
فعُد يا قمر
بأى شكل ٍ
بأى لون ٍ
وأعد لنا
ليالى السمر .





د/ مصطفى عطية جمعة
قراءة نقدية
الشاعر / حسن حجازي
تحياتي القمرية إليك
• أن يكون خطابك الشعري قمريا فهذا جميل ، وقد أبدعت أن جعلت القمر عالما كاملا من التصور والفلسفة ، بجانب أنك جعلت القمر شاطئ الأمان النفسي والقلبي ، مما يجعلنا نعيش قصيدة قمرية : فالقمر : نور وسط ظلام ، وهو سلوة العاشق ، ونجوى الفيلسوف .
• تقول :
• عُد يا قمر ْ
• يا رفيق َ العشاق ْ
• يا سميرَ الأشواق ْ
• فقد سئمنا العيش َ
• فى سراديب ِ الحُفرْ !
• سئمنا الركضَ
• خلفَ أسوارِ المنايا
• حولَ شطآن ِ الفِكَر !
• وتعبير : " سراديب الحفر " مع الخطاب القمري ، يعطي ما يسمى الضدية ، فالقمر عال سام ، والحفر سفلى ، فكأن القمر يعادل الكرامة ، وهذا هو التصور الفكري الكامل الذي نراه في منظورك
• فالقمر كان ملاذ المحبين ، أضفت له أنت أنه ملاذ حائري الفكر والوجدان والأوطان ، وقد اعتبرت " اسوار المنايا " نوعا من الموت في الحياة ، موت الفكر والقلوب ، لا الأجساد .
• بأنَ الحب َ كذوب ْ
• كالثلج ِ
• عندَ طلوعِ الشمس ِ يذوب ْ
• كالمهر الجامح ْ لا يهدأ
• إلا فيثورْ !
• كعيدان ِ القمح ِ الشاحب ِ
• فى الأرض ِ البورْ
• كسحابةِ صيف ٍ لا تمطرُ أبداً
• تحجبُ عنا النورْ !
• كالزلزالْ
• كالبركان ْ
• كالقرصان ْ
• نرى في هذا المقطع صورة للحب ، أساسها الوصف المادي ، وهو وصف شامل فقد جمعت فيه كل ما هو متضاد ، جمعت : الثلج والبركان ، البرد والحرارة ، جمعت الزلزال والأرض البور ن الحركة والثبات ، وجمعت النبات : عيدان القمح ، والهواء : سحابة صيف ، والبشري الغادر : القرصان ، لتعطينا في النهاية إيحاء أن الحب هو جامع لمتناقضات الحياة والناس ، وأنه عاطفة عجيبة .
• استخدمت أداة التشبيه الكاف ، ولو حذفتها سيكون الكلام أوقع : لأنه سيكون تشبيها بليغا دون أداة ليكون الحب : بركان وقرصان ...
• قصيدة جيدة ، وتعبر عن فكر جياش .

د/ مصطفى عطية جمعة

الأحد، 5 يونيو 2011

العزف المنفرد عند حسن حجازي //بقلم : ابو العنين شرف الدين

العزف المنفرد عند حسن حجازى
في مجموعته الشعرية :
" فى انتظار الفجر "
بقلم : ابو العنين شرف الدين
(مشرف الصفحة الثقافية بجريدة العروبة القاهرية ).

حسن حجازي شاعر مشبع بقضايا الوطن والهَم العربي العام , ينحت لغتهُ من الواقع ويجسدها شأنه فى ذلك مثل العديد من ابناء الوطن المخلصين .
من أسم الديوان تعرف الشاعر " فى انتظار الفجر " لتعود أمتنا إلى سابق عهدها قوية موحدة لاتخشى أى جبروت؟ فهو يضربُ الفساد والذل والهوان حين يقول في قصيدة "على أعتاب الحلم " :
سمعتُ النسرَ الرابض
فى أعلى الحصن
يغمغم فى أذنى
" ما أُخِذ بالقوة لا يُستردُ بغير بالقوة "
فصفعتُ البابَ بوجهكِ فى حسرة
وأزحتُ عنى سنينَ الصبر
ونفضتُ عني ثوبَ الذل!!


وأحياناً يتعجب في قصيدة : " مَنْ لفلسطين ؟ " :
سلاحنا فى وجهِ بعضنا
مرفوع ؟
ودمنا للسفكِ مشفوع ؟
للقتل مشروع ؟
سلاحنا ؟
في وجه بعضنا ؟
في وجه نفسنا ؟
في وجه قدسنا ؟
فَمَن للغاصبين ؟!

وهو أحياناً يذوبُ فى رقةِ العواطف في قصيدة " رسالة من قابيل " :
يسألني الغرابُ عن ذنبِ هابيل
وتسألني التفاحة عن حواء
وأجيبُ بأنَ الخريفَ قد أتى
على شجرِ التوت !!

وهو في لحظةِ كشف يتأمل ويصوغ عباراته حين يقولُ فى "قصيدة الاسير" :

وذلُ القيدِ يسرى في البدن
فيبكى السجين
الهوى ؟
وعربدة الليل ؟
وتعري الجسد ؟
ويوسف أنا مازالَ
نقياً
مازالَ نبيا ً
في زمنٍ
بغير نقاء !

شاعرية حسن حجازى ورؤاه الفنية وتراكيبه اللفظية وإيقاعه والبناء الفنى كلها ظواهر مميزة تتضح بجلاء ووضوح في مجموعته الشعرية " في انتظار الفجر " .



بقلم : ابو العنين شرف الدين
مشرف الصفحة الثقافية بجريدة العروبة القاهرية .

شموع و أبيات تضيء مسيرة الشاعر المصري حسن حجازي // د. أسماء غريب

شموع و أبيات تضيء مسيرة الشاعر المصري
حسن حجازي

د. أسماء غريب



هل يعود الزمن الجميل؟ زمن الكلمة الساحرة، و العطر الفواح من بين أحرف القصائد العرائس؟ هل تعود الابتسامة إلى ثغور الأميرات الناعسات و الحالمات بعوالم من البهاء و الصفاء، حيث زهور الحب و الوفاء أكليل يزين هامات الأبيات و الشعر الخلاب؟ لم تكن لتنتاب خاطري كل علامات الاستفهام هذه لو لم يقذفني موج بحر هذا النت الغريب إلى ضفاف قصائد الشاعر المصري حسن حجازي و التي كنت و ما زلت أجد فيها بعضا من أنفاس أبي القاسم الشابي و بعضا من آثار نزار قباني بل وبعضا من سحر و روحانية جبران خليل جبران !!! و هي ذاتها الروحانية و حلاوة الإيمان التي قادت هذا الشاعر المرهف إلى كتاباتي و جعلته ينقلها من لغتها العربية إلى اللغة الإنجليزية، فبرع و أبدع حتى في مجال الترجمة و اختار من النصوص ما يوافق ميولاته و القضايا التي يعتنقها و يؤمن بها *
حسن حجازي شاعر مصري مشبع بقضايا الوطن الكبير حتى النخاع، لذا فقصائده العديدة لا تخلو من هذا النفس الحزين شأنه في ذلك شأن العديد من أبناء الوطن الذين أثقلت كاهلهم الهزائم و مظاهر الظلم و الاستبداد. وقصيدتاه اللتان أهداهما لشهداء أكتوبر و التي تحمل إحداهما عنوان "أنشودة لأرض الفيروز" أكبر دليل على ذلك، و كلاهما قصيدتان تنضخان برفض قوي لكل مظاهر الفساد و الذل و الدرن الذي أحال بياض كينونة الإنسان و خاصة منه العربي المسلم إلى سواد قاتم تنز منه دماء عفنة بشكل يعكس بقوة صدق ما يقوله الشاعر عبر أبيات معبرة و قوية حد الألم:

"...سمعت النسر الرابض
في أعلى الحصن
يغمغم في أذني:
"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"
فصفعت الباب بوجهك في حسرة
و أزحت عني ثوب الذل
...."

و ينز حبر الشاعر و يتألم فكره و هو يصل حباله بحبال جروح أخرى لم تندمل بعد، جروحا كسرت ظهر الأمة العربية هذه الأمة التي كثيرا ما يرمز إليها بالمرأة الفاتنة الجحودة و الخائنة أو الساقطة منذ زمن بعيد في أوحال العهر و الخبث السياسي المرير، فلا يملك لها سوى الدعاء و الرجاء و غسلها بحبر قلمه علّ البياض يعود إليها أو ترجع إليها طهارة و عفة الزمن الجميل، أما السؤال الذي يطرحه بقوة في قصيدته "من لفلسطين؟" فيبقى قويا و مدويا تهتز له صدور تحمل بقايا من شيء كان يسمى ضميرا و إيمانا راسخا بقضايا الوطن:

" مَّن ْ لفلسطينْ ؟
مَّن ْ لمجد ِ حطين ْ؟
من لراية ِ صلاح الدين ْ؟
مَّن ْ للقدس ِ
للحرث ِ
للغرس ِ
وسلاحنا فى وجه ِ بعضنا
مرفوع ْ
ودمنا للسفك ِ مشفوع ْ
للفتك ِ مشروع ْ
سلاحنا
فى وجه ِ بعضنا
فى وجهِ نفسنا
فى وجهِ قدسنا
فمَّن ْ للغاصبينْ ؟
يا حماة َ الدين
يا أهلى فى فلسطين
أخوة ُ الكفاح ِ
رفاق ُ السلاح ِ
مَّنْ للصباح ؟
مَّنْ للسماحْ ؟
مَّن لعدو ِ الدين ْ ؟
يا مسلمين ْ؟
مَّنْ للطيورْ؟
للعبورْ ْ؟
فوقَ الصغائر ْ
لصحوِ الضمائرْ
فوقَ الجبين ْ؟!
مَّنْ للقدس ِ؟
ليافا ؟
لحيفا ؟
مَّن ْ لفلسطين ْ؟
يا مسلمين ْ
سلاحنا ؟
بطشنا ؟
فى وجه ِ بعضنا ؟
مّنْ للحق ِ يستبين ْ؟!
يا اهل َ فلسطين ْ
يا مسلمين ْ
مَّن ْ يستبين ْ ؟!
مَّنْ يستبين ؟!!

سيبقى سؤال الشاعر معلقاً إلى حين، و ستبقى الأرض تشرب دماء أبنائها الشهداء الأبرار، إلى أن يشاء الله و يرفع العذاب عن هذه الأمة الذي لحقها بما كسبت أيدي أبنائها العاقين و الجاحدين.
أما ما قرأت للشاعر في الحب و الرومانسية فقصائده في هذا المجال كثيرة و لعل أشدها سحرا و جمالا قصيدته "تمني"* التي يقول فيها:

وأنأى عنك ِ أزيد ُ هوى
وأنأى عنك أزيدُ جوى
وأنأى عنكِ لأدنو أكثر
لأعودَ بشوقٍ أكبر
يسع ُ الدنيا وأكبر !
قلبي كفراشِ ِ الليل ِ الحائر
كفراشِ ِ الليلِ السابحِ
فى سحب ِ النارْ
يتمنى الوصل ثم يموت !
قلبي نجمٌ ليلي المدار
يخشى النهار
فى ضوء الشمس
يخشى غاباتِ اللمس
فى ظل ِ الشَّعر الأسود
يدركني الدوَار
أخشى أن أنهار
فُأسلم !
يا شمسَ عمري
إن عمَّ الليل ُ وعسعس
لا تغربي
اجعليني دوماً
في مداري المعهود
قربَ القلب
وعينيكِ سئمت ُ الوحدة
وليالي البرد
وعينيك ِ فأطلي
وأذيبي عن قلبي الصد
لنُولدُ من جديد
وما ذقنا طعماً للهجر !!

الجميل في شعر حسن حجازي بساطته كمفهوم يقربه من الرقي و الجمال، ليس فيه مداراة و لا تحايل على الكلمة سواء في الشكل أو المضمون مما يجعل القارئ لا يكل و لا يمل من قراءة أشعاره، فالمعاني واضحة و صادقة بشكل يجعلها تصل مباشرة إلى القلب و لم لا وهي نابعة من القلب كي تخاطب وجدان القارئ؟
ليس ثمة من شك بأن الطريق مازال طويلا أمام حسن حجازي، و ليس بالشيء المستحيل أبدا لقلم ذي إرادة و عزيمة قويتين أن يصبح يوما ما علماً من أعلام الرومانسية في العصر الحديث فأرض النيل ما زالت ولادة و مازال أبناؤها يفاجئوننا بمواهبهم و بشفافية روحهم و رقة الكلمة في قوة و عنفوان و صدق متجددين*
د/ أسماء غريب
إيطاليا 08 /05/2008

حب الوطن يخلد كل حب // منير مزيد

حب الوطن يخلد كل حب
بقلم : الشاعر والباحث منير مزيد

اختلفت أغراض الشعر وتعددت مدراسه ومذاهبه إلا أن الشعراء باختلاف مشاربهم وافكارهم وطروحاتهم وتطلعاتهم أجمعوا على شيء واحد هو الوطن وحب الوطن ، فكان الحنين إلى الأوطان وذكر الديار قاسماً مشتركاً بين الشعراء والأدباء . والشعر العربي حافل بقصائد عديدة تغزلت عبر أبياتها الشعرية بحب الوطن والحنين إلى الديار والأرض فيندر أن نجد قصيدة عربية إلاّ وبها حنين إلى الوطن حتى احتل الوطن الجزء الأكبر من قصائد الشعراء مقارنة بقصائد الحب والغزل .
قال الجاحظ في رسالة الحنين إلى الأوطان: كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملا وعفرا تستنشقه.
والوطن في اللغة العربية كما جاء في لسان العرب: هو المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله، ووطن المكان وأوطن أقام متخذا إياه محلا وسكنا يقيم فيه ، فالوطن هو المكان الذي ارتبط به الإنسان، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، وسكنه روحاً وجسداً، وهام به حباً وحنيناً، فحب الوطن والالتصاق به وحب البقاء فيه من الأمور الفطرية لدى الإنسان.
من يقرأ شعر حسن حجازي قراءة عابرة يظنه بسيطا، وسبب ذلك سلاسة التعابير، ورقة المفرادت الشعرية التي يستخدمها الشاعر، بالإضافة إلى دقة التصوير والبعد عن التعقيد ، ومألوفية كثير من العناصر التي تشكل قصائده وأبيات شعره،فهي تخاطب عاطفة ومشاعر وأحاسيس القارئ والمستمع ، معتمدا على الايقاع الحركي للمفردات المشحونة بالغضب والشجب حيانا ، وبالسخرية حيانا آخر والتي تخلقها الفكرة في محاولتها للتأثير على المسارات الاجتماعية . أما الموضوعات التي يتناولها شاعرنا كثيرة جدا بحيث يصعب حصرها، إلا أن شاعرنا في مجموعته الشعرية "فى انتظار الفجر " قد أختار أن يكون صوت الشعب حاملا هموم الوطن والمواطن دون إغفال أهم القضايا التي تواجه الإنسان العربي والتي شكلت هما من الهموم القومية فاثارت قريحته الشعرية ، فكانت قضية فلسطين والعراق وهموم الوحدة العربية حاضرة في مجموعته .
يصوغ حسن حجازي شعره من الواقع العربي الراهن المليء بالقهر والجراح عندما يتوحد عنده الألم بين الأقصى والمواطن الفلسطيني والطفل الفلسطيني ويبكي ما وصلنا إليه :
اليومَ نهارى حزين
شجرُ الزيتون ِ حزين
ولدى يفترشُ الأرض َ
يسأل ُ عن شجر ِ الياسمين
اغتالته ُ ايدي الغاصبين
إلى أن يقول :
لم يعد بالبيت ِ طحين
والحليب لأطفالي الجوعى
جف من ضرع السنين
وأمتي في سباتِ
تشجب وتسب وتدين !
أما الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الوضع المأساوي وحالة العجز والتردي : محاربة الإبداع وقتل المواهب وتفشي ظاهرة النفاق في قصيدته دوماً أنت ِ بقلبي :
فى بلاد ٍ
تأكل ُ فيها الكلابَُ المواهب
تجيد ُ الرقصَ على الموائد
ومغازلة َ السلطان
فى بلاد ٍ
تجيد ُ نسجَ الأكفان
تجيد ُ تسفيه َ الأحلام
لو بقيت لنا أحلام
وتغليب المصالح الفردية على حساب المصلحة الوطنية العليا والإستهتار بحياة وتاريخ ونضال وتضحية الشعب ، مستخدما نضال الشعب الفلسطيني كرمز لنضال الشعوب في قصيدته نريد ُ فلسطين عندما يقول :
ماذا تقول يا أبا عباس ؟
وأنتَ أيضاً يا أبا هنية ؟
ماذا تقولان
لدماء ِ الشهداء
لأصحاب ِ القضية
لأطفال ِ الحجارة
لأصل ِ الحضارة ؟
ويرثي حالنا بحزن سوداوي بلغة " أنا الذاتية " والتي تمثل حالة اللاشعور الفردي والذي هو جماع مكتسبات الإنسان خلال حياته كفرد. فاللاشعور الفردي يحفز عمليات استبصار الذات الغريزية عند مستوى الهو لكي يتم تصوير العملية الأولية باعتبارها عملية لاشعوريه تجهل أو ربما تتجاهل حدود الزمن والمكان مستشعرة بمبدأ اللذة والألم فتندفع من خلالها " أنا الذاتية " الموجودة ضمنا تجاه اللذة وتتباعد عن الألم بالتفريغ عن طريق تكوين صورة شعرية ينتظربها فجر قد لا يأت في قصيدته في انتظار الفجر :
فانتحرَ طيري الأخضر
واسودت فى عيني الشمس
بين َ سكون ِ الرمز
تحت َ نيران ِ العجز
من خيول ِ الفُجَاءة
لمَا عادت بغير بشارة
تجعلني أنتظر ُ الغد !
والإفلات والهروب من الواقع والتمرد عليه واللجؤ إلى البحث عن امل أو فجر جديد حتى لا تنتهي الرغبة غير المشبعة إلى الاحباط
ويسكن ُ فى القلب ِ الهَم
إلى أن يأتي اليوم
المتمم َ لذكرى النصر
لينهي أياماً للذل
إلى يأتي هذا اليوم
سأكتبُ فى عينيك ِ
أحلى أبياتِ الشعر
لكن هل يشرق ُ علينا الفجر ؟!
حتما ً سيشرق ُ علينا
ألف ُ فجر ٍ وفجر!!
فالوطن يستمد قوته بابنائه الأوفياء الذين يبذلون لأجله الغالي والنفيس وهانت عليهم ارواحهم فداءا لوطنهم وذودا عنه في لذة وإقدام وبالتالي هذا هو التعبير الصادق عن حب الوطن ليس بالكلام والخطابات الجوفاء وذلك في قصيدة الشهداء :
هم زرعوا
فى الدربِ الورد ,
هم غرسوا
في الظلمة الغد
هم ضحوا
بأماني العمر ,
هم ذهبوا
لنبقى نحن !
ويبقى الهم الوطنى بلده مصر نراه يناجيها يداعبها يلاطفها وأحيانا يسخط عليها ويتمرد عليها
فمصر تتمثل لحسن حجازي الأم والزوجة والأبنة والحبيبة والرفيقة حين يقول لها في قصيدة تحذير :
عودي بالإلهام ِ
يا حسناء الزمان ِ
عودي بالحلم ِ الأخضر
بالقمح ِ الأصفر
بحلم ِ الأشقياء !
لحد علمي القصيدة مكتوبة من الثمانينات كأنه يتنبأ بما يحد الآن بضمير الأبن , بضمير الشاعر, بما تشهده الساحة المصرية والعربية الآن من مشاكل حياتية صعبة تمس المواطن البسيط , فنجده يقول في نفس القصيدة :
حتى الآن
لستُ منك ِ ولستِ مني
فنحنُ في الحبِ غريمان
نتلهى بالأيام
نتسممُ بالأوهام
فى دوران الساعات
فى انتحار الأمسيات
بغير لقاء
" بعد العودة " نراه مهموما بالمشاكل اليومية للمواطن المصري البسيط حين يقول :
كنت ُ عزمت ُ أن أطوي السبع بحور
لآتيك ِ بسر الورد ِ المؤتلق ِ الحسن
لآتيك ِ باللؤلؤلةِ الأم
لتزينَ أجمل نحر
تحرس أغلى الثمرات
إن عمَ الليل
أو غدر الشط
كنت ُ عزمت ُ أن آتيكِ
بالأقمار السبعة المزروعة ِ ورد
أن آتيكِ ببقراتِ يوسف الِسمان
لترعى حقول الحنطة عند الشط
نعود هنا للحنطة للقمح للأيام العجاف التي ندعو الله أن يحفظ مصر منها على الدوام . إين يذهب لا مفر من الهجرة وصلبها بين دفاتر الذكريات كنوع من الهروب من الواقع المرير .
لكن حسن حجازي رغم قنوطه ويأسه يقرر أنه ثمة أمل في غد ٍ أفضل .
يتمتع حسن حجازي بحاسة رأئعة في توظيف التاريخ سواء الإنسانى عامة والعربي بصفة خاصة نجده يتقن المعارضة ولكن بشكل جديد يوظف ما يعرف بنظرية القناع ولك عند معارضته لنونية بن زيدون الشهيرة في قصيدته : أكانت تدري وأهداها لولادة بنت المستكفي
ولم يكتف بالأسم ولكن قام بتوظيف رأئع للدلالة للبكاء وفضح الحلم العربي الذي تعسر في ولادته وتأخر كثيراً :
أكانت تدري
أنى والشعرُ
وزمني المائج ُ
فى بحورِ التسكع ِ
أنى سأكتبُ عنها
أكانت تدري ؟!
أكانت تدري
والقَابلة ُ
ووِلادَة ُ مسخ ٍ أسود
يقتل ُ فى الرضيع ِ حلماً
كان َ سَيولَد
يحمل ُ معه ُ سيفاً للنصر ِ
أو للتذكار !
ثم حرفية الإقتباس والتوظيف الواعي للتراث الشعري :
أكانت تدري
وَلادَة ُ بنتُ المستكفي
وقد " أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا "
أننا لأجلها عشقنا "لوركا "
وننتظر ُ معها حلماً عربيا ً
ويكمل مصراً على الأمل في الغد والتحدي ومراهناً على المستقبل :
يجمعُ شتات أمة صابرة
على شطِ النيل ِ
ما كانت أبداً صاغرة
وقد " جاوزَ الظالمونَ المدى "ِ
ولكن " سيشرق ُ الفجر ُ على أمة ٍ
لغير ِ وجه ِ الله لم تسجد ِ " !
ثم اللعب على الرمزية في قصيدة حورس بين الواقع والحلم
الي يندد فيها بالظلم الذي تعرض الله الإنسان المصرى من فجر التاريخ من بناء الإهرام للملوك لتوريد ما توجد به أرضه لسكان القصر ثم لحفر القناة.. قناة السويس بدمه وعرقه ..
ثم بعد تحرير سيناء وبزوغ نجم الإنفتاح الإقتصادي ومعاناة المواطب المصري البسيط وعبر القصيدة يرمز للحلم المصري حورس ..القصيدة كتبها حسن حجازى أوائل الثمانينات فكأنهُ مثل باقة الشباب المصري كانوا يراهنون على الزعيم محمد حسنى مبارك , وما زالوا , حيث عادت وقتها الأرض وبدأت مصر تجني ثمار النصر وعودة سيناء فربط بين مصر مبارك ومصر حورس في توظيف جيد للأسطورة المصرية فنجد " إيزيس " تجوب الوادي ..ونجد " ست " إله الشر ونجد " أوزوريس " ليربط فجأة بين الواقع المر في بداية الثمانينات ورجال الأعمال الذين تفنن بعضهم في كسب الأموال وامتصاص دم الشعب المصري الذي لم يكد يفيق من آثار الحرب التي تحملها فى شجاعة وصبر وإخلاص :
خمسة ُ آلاف ِ عام
بنيت ُ الأهرامَ على كتفى
حجراً حجرا
نحت ُ الصخر َ
قتلت ُ الصبر َ
تخطيت ُ المحال
عندما نجده يقول في مرارة :
صحا فينا " ست "
تشيعنا لعناتهُ لبحار ِ اليأس
فنُضل ُ الطريق
صحا فينا " ست "
مزقنا بربوع ِ الوادى
إربا ً إربا
ليعيد َ المأساة ويعيدَ الذل
و"إيزيس " ما زالت تجوب ُ الوادي
شبرا ً شبرا
تجمع ُ الأعضاءَ
عضوا ً عضوا
ما كحل َ عينيها اليأس ُ
وما توارى الأمل
وبعد هذا مرور عابر فى شعر حسن حجازي الذي أحسب أن ما اقدمه هنا هو بداية للغوص في خضم هذا العالم الشعري والصوت العربي الأصيل الذي أعتبره نموذجا َ للشاعر العربي الملتزم الواعي لواقع أمته وشعبه ودينه ..
منير مزيد –رومانيا – بوخاريست





في انتظار الفجر // د/ مصطفى عطية جمعة //حسن حجازي



الإحتماء بالهويةالحضارية ضد العجز والهوان
د/مصطفى عطية جمعة

" حسن حجازي " نموذج للمثقف الجاد ، الذي يعايش قضايا الوطن والأمة، مساهما بسبلٍ عدة في العمل الثقافي العام داخل مدينته الصغيرة أو في المحيط الثقافي الكبير ، رافداً الحياة الأدبية بمشاركاته الفاعلة ورعايته للموهوبين ، وبما يجود من إبداع شعري ونثري وترجمات ، تحمل تميزا في التشكيل الجمالي، ورؤية طامحة للتغيير .
إنه نموذج لكثير من المبدعين ، في بقاع الوطن، وأنحاء الأمة ، الذين تمسكوا بالعيش في الأقاليم ، بعيدا عن صخب العاصمة ، وأضواء الحياة الثقافية ، فقد آثر أن يعيش في بلدته الصغيرة " ههيا " في محافظة الشرقية بمصر، يساهم في زيادة الوعي عبر عمله في ميدان التعليم ، ساعيا إلى التواصل مع أدباء العرب في أنحاء العالم عبر " الإنترنت " ، فيستكمل منظومة حياته الأدبية والثقافية بشكل حيوي ، مثله مثل كثير من المبدعين فرقتهم البلاد ونأت بهم الأقاليم، ولكنهم غنموا من الشبكة العنكبوتية الكثير، فتواصلوا مع أبناء الأمة من بيوتهم ، واستطاعوا أن يكونوا حياة ثقافية في الفضاء الإلكتروني ، حياة أساسها التواصل شبه اليومي والاطلاع على الجديد ، حاولوا أن يعوضوا سلبيات الحياة الثقافية الرسمية والأهلية بما فيها من شللية ، ومجاملات ، ومقاعد خاوية في الندوات ، وأيضا تغلبوا على مشكلة النشر ، فخرج المبدع من حسابات النشر الورقي : من محدودية المساحة المتاحة للنشر ، وأهمية مجاملة الصحفي الناشر ، وانتظار أشهر طويلة حتى يظهر العمل، هذا إن ظهر ، ولم يأت طارئ يوقف المجلة أو يأخذ دور المبدع لحظوة أو واسطة أو مصلحة عاجلة للناشر .
بات " حسن حجازي " اسما معروفا في المنتديات الأدبية الإلكترونية ، وسعى إلى تطوير ذاته الإبداعية باقتحام أحد الميادين الشاقة وهو ميدان الترجمة ، وله ترجمات غاية في الروعة لشكسبير ، وشعراء المدرسة الرومانسية الإنجليزية.
يمثل ديوانه الذي يحمل عنوان " في انتظار الفجر " ، مشروعه الشعري بشكل عام ، حيث بدأ حياته الأدبية بديوان " عندما غاب القمر " عام 1981م ، وديوان "حواء وأنا " عام 2007م ، أما هذا الديوان فقد صدرت طبعته الأولى عام 2003م ، وها هو يعيد طباعته للمرة الثانية ، مزيدا ومنقحا الكثير من قصائده، وبالنظر إلى منتجه الإبداعي خلال ستة وعشرين سنة ، وأيضا ما بين صدور الطبعة الأولى والثانية من هذا الديوان – موضع درسنا - يجد تطورا لافتا في البناء والتشكيل الجمالي ، مع الحفاظ على ثوابت الذات ، والاعتداد بهوية الأمة حضاريا وثقافيا ، واستشفاف مستقبلها رغم خضم السواد الذي يكنفها . وهذا جلي في العنوان ، الذي وقف عند دلالة الفجر / الأمل ، وتكاد تكون نصوص الديوان تحمله في جلّ طرحها . إن رؤية حسن حجازي / الشاعر / أنه جعل مشروعه الشعري ساعيا لاستنهاض الأمة ، والذود عنها، في قضاياها المصيرية ، أو همومها المستجدة ، ونطالع هذا في قصائد تلامس هموماً سياسية متقلبة في دفاترالأمة والوطن، وما أكثرها !
نجده في إهدائه ، يجمع المرأة ، والوطن ، فالمرأة لا يخص إنسانة بعينها ، بل جعلها مصرية عربية ، بكل ملامحها ، يقول :
كل ُ امرأةٍ فى بلدي
هى ملهمتي
هى أمى
هى أختي
هى أمٌ لولدي
أو أبنتي .
وهذا المحور الأول في الديوان ، إنه المرأة ، ولكن المرأة لن تكون ذات خطاب رومانسي ، بل خطابا حاملا الفكر والرؤية ، وهذا تطور في البنية والخطاب الشعري لديه ، فقد تجاوز المرأة / المحبوبة ، إلى المرأة / الرمز ، كما سنرى بعدئذ في العديد من القصائد .
وجاء النصف الثاني في الإهداء موجه إلى الحلم / الأمل ، يقول :
إليهِ
أينما حلَ
وأينما كان
ننتظره
مع إطلالة ِ كل فجر !

وهذا الفجر / الحلم / الرؤية - الذي حملتها القصائد - حلم بالخلاص والعزة والنصرة ، ونلحظ في المقطع السابق تركيبا لغويا يلامس عنوان الديوان ، معبرا عن وحدة عضوية ووشيجة لفظية .
عند الوقوف عند رؤية النصوص ودلالاتها ، نلحظ أنها تمثل الوجه الآخر للرؤية العروبية الأممية التي حملها الديوان ، وهذا ما يطالعنا في قصيدته الأولى التي حملت عنوان " أكانت تدري " مهداة لولادة بنت المستكفي ، ويصاب العقل بالدهشة حينما يجدها تتجاوز المعارضة التقليدية للنونية الشهيرة لابن زيدون إلى خطاب شعري بضمير الغائب عنها ، فتصبح المرأة / المحبوبة ، رمزا للأمة المغيبة بكاملها ، في إسقاط واضح على أحوالنا المعاصرة ، فهل كانت " ولادة" تعلم أن فارسها الزيدوني يمكن أن يبيعها . يقول :
أكانت تدري
وهى وادعة ٌ
تنتظرُ حلما ً
أحمدياً زيدونياً
أنَ شاعرها
أنَ فارسها
قدم َ صكَ اعترافه ِ للنخاس
مع أول ِ لطمة ٍ
جاء أول المقطع بصيغة الاستفهام " أكانت تدري ؟! " ، وهو نفس عنوان القصيدة ، وهو أيضا الرابط – التركيبي - بين مقاطع النص ، فالقضية تتصل بالأمة الآن ، هل هي على علم بما يحاك لها من مؤامرات ؟ وأن مَن تظنه من قادتها وفيا ، صار عبدا للنخاس بمحض إرادته . إنها أقسى حالات الإذلال ، فالإقرار بالعبودية والتسليم بها ، يعني ذل الهزيمة دون حرب ، لا شرف الهزيمة بعد قتال ، وهذا واقع الآن، وما سعى إليه شاعرنا ، فقد استقصى مأساة العرب ، في جنبات البلاد ، ممعنا في الحلم المجهض ، فيقول :
أكانت تدري
أن عاصمة َ الخلافة
أفترشها الجراد ُ
فأمست كالقطة ِ
تأكل ُ أولادها
هنا إشارة إلى سقوط بغداد ، التي احتضنت الخلافة العباسية قرونا ، في عنفوانها ووهنها ، ولكنها كانت علامة الوحدة الضائعة الآن ، ونلحظ أنه لجأ إلى تشبيهين شديدي القتامة : فالمحتل الأمريكي كالجراد ، بجحافله وهمجيته ، مثله مثل الجراد لا يفرق بين أخضر ويابس ، فقد أذاق العراقيين الهوان والقتل ، وحسبما هو معلن أمريكيا ، فقد قتل ستمائة وخمسون ألف عراقي منذ الاجتياح الأمريكي ، إذن يكون كالجراد يفترش المساحات الخضراء ، ويغطيها بسواده الكئيب ، أما واقع الشعب العراقي في أرضه ، فقد أصبح قطة في أشد وحشيتها عندما تأكل أبناءها جوعا . ويظل السؤال ، ولكنه بصيغة الاستنكار لا الشجب :
أكانت تدري
أنه ُ قد ولى زمن ُ السيف ِ
وزمن ُ الرمح ِ
وزمن ُ القوس ِ
وأنَ الفروسية َ بلَلَها دمع ُ الكبرياء
فى انكسارِ الراية
فى عصرِ الخوف ,
تفضحها حرب ُ الفضائيات
حيث يؤكد الشاعر على مبادئ العزة والنصرة ، مذكرا بأسلحة ومبادئ العربي القديم ، وأسباب نصرته : الرمح ، القوس ، السيف ، الراية ، وأخلاق الفروسية ، فهل هي إدانة للهزيمة ؟ أم كفر بكل الدعوات الاستسلامية والتشدق بأمجاد زائفة ، وعنتريات الأنظمة ؟
وفي هذا النص ، تتلاقى المرأة / الوطن ، والوطن / الأمة ، والأمة / الشعب، والشعب / الأمجاد ، والأمجاد / التاريخ والفروسية . هذه الثنائيات ، لا تقف عند حدود معينة ، بقدر ما تصنع مزيجا من حال الأمة الآن ، حالها مأزوم ، رغم تاريخها العريق ، مفتقدة قائدها ، ساخرة من دعايات فضائيات الأنظمة .

نفس الهاجس ، يظل مسيطرا عليه وهو يخاطب المحبوبة / الأنثى ، يقول في القصيدة التي حمل عنوانها غلاف الديوان:" في انتظار الفجر " :

لم اكن أعلم ُ أنَا خُلِقنا
بزمن ٍ تناسى
لون َ الحقيقة
ارتوى ثدي الخطيئة
الصدقُ فيه ِ كم احترق !
لم أكن أعلم ُ أني
و أبناء ُ جيلي
سنعبرُ حلماً َ
فوقَ ِ الريح ِ
لبحيرات ِ المحال ِ

إنه يدين الزمن ، ويبكي على وجوده في جيل منكسر ، وفي المقطع السابق ، تشف ذاته ، وترتفع لمصاف الفلاسفة ، فالحقيقة صارت لونا ، واللون مفقود، والصدق بات خامة مادية ، وحُرِقت ضمن ما حُرِق ، والجيل ممزق بين حلم مستحيل الحدوث ، إنه يدين في هامش النص الرؤية الرومانسية التي حلم بها جيل الستينيات ، هؤلاء الذين تشبعوا بالقومية وشعاراتها ، وسرعان ما اكتشفوا زيفها واكتووا بلهيب السقوط .

نتوقف في المقطع السابق عند بنيته التشكيلية فالزمن : " تناسى لون َ الحقيقة، ارتوى ثدي الخطيئة " لقد أنسنَ الزمن ، وجعله مشرَّبا بالنسيان مستخدما لفظة "تناسى" والنسيان هنا حالة مرضية ، لا وقتية ، فقد قبل الإنسان العربي أن يشرب الخطيئة إلى درجة الارتواء ، أي الثمالة ، وفعل الارتواء يشي برغبة الإنسان في الشراب والشبع ولو كان منبع اللبن هو الخطيئة ، فالنسيان يجعل صاحبه متخبطا تخبط الممسوس ، وهذا ما صاغه محاولا التماس العذر لأبناء جيله : " لم أكن أعلم ُ أني و أبناء ُ جيلي سنعبرُ حلماً َفوقَ ِ الريح ِلبحيرات ِ المحال ِ " ، فنحن لا نملك من واقعنا الذي هو أكبر منا إلا أن نحاول ، والمحاولة كما يرى شاعرنا حلم فوق ريح ، والريح فوق بحيرات المستحيل ، إنه سراب فوق سراب ، لا يكاد الرائي يرى منه شيئا ، اللهم إلا جسده ، وهذا ما يؤكده بقوله :
خسرت ُ الرَهان
فانتحرَ طيري الأخضر
واسودت فى عيني الشمس
بين َ سكون ِ الرمز
تحت َ نيران ِ العجز
من خيول ِ الفُجَاءة
تتابع الرموز : الرهان الخاسر ، الطير الأخضر ، الشمس المسودة ، النار العاجزة ، خيول الفجاءة ، وهي في مجملها تجمع المادي اللوني ( الشمس ، الأخضر ، السواد ، النار ) بأفعال موضحة العجز ( خسرت ، انتحر ، اسودت ) فنتأمل في النهاية المقطع كلوحة تشكيلية أقرب للسيريالية ، تنبض بيأس وأسى. وبالنظر لتاريخ كتابة هذا النص ( 1982م ) ، وإصرار الشاعر على نشره في ديوانه مع نصوص أخرى تعود لسنوات خلت في العام ( 2008م ) ، دلالة على أنه متمسك برؤيته ، رغم تتابع السنين ، لأنه لم يجد جديدا ، فهل تجمد الماء ؟ أم لازلنا نسبح في بحيرات المحال ؟


وفي قصيدة " دوماً أنتِ بقلبي " نجد القضية الفلسطينية حاضرة ، كما هي حاضرة في كثير من نصوص الديوان ، ويهدي هنا القصيدة إلى (الشاعر الفلسطينى الصديق...منير مزيد ) ، ودون أن نتعرف علاقته الإبداعية بالشاعر ، ومدى صداقته ، يبقى الفلسطيني حاضرا بقضيته ، ويمزج القضية بشخص الصديق وشعره ، في توحد ما بين الشاعر والإنسان والقضية ، قضية العرب ، يقول :
كلما هطلَ المطر
ليروي حقولَ الياسمين
كلما هلَ القمر
وداعب َ ليلَ العاشقين
أشتاقُ إليك ِ
ويعذبني الحنين
لرشفةِ ماءٍ
تروي جفافَ عمري
فتعبير " جفاف العمر " إشارة إلى أزمة جيل شاعرنا ، حيث افتقد الجيل المبادرة، واكتفى بحزن يضفيه على حالنا ، ولكن عندما يجد القضية الفلسطينية حاضرة ما في شخوص أبنائها ، ومقاومتهم ، يسترد بعضا من نضارة عمره ، ولننظر إلى دقة الألفاظ المستخدمة في هذا المقطع ، إنها الماء وما يدل عليه ، في مواجهة الجفاف العمري ، فالماء في الألفاظ : " هطل المطر ، يروي ، رشفة ماء ، تروي جفاف العمر " ، أي أن الماء رمز للفعل الإيجابي ، والأمل المنتظر ، وهذا ما يجده في المقاومة الباسلة . وهو ما دفعه لإدانة الفرقة الآنية بين فتح وحماس في فلسطين ، مناشدا محمود عباس رئيس السلطة ( فتح ) في الضفة الغربية ، وإسماعيل هنية رئيس وزراء فلسطين ( حماس ) في غزة ، مناشدا إياهما الوحدة، بخطاب شعري يقترب من المباشرة الموظفة ، حرقة لتمزق ما تبقى من الوطن الفلسطيني ، ولا يعلم أن الفرقة ليست منهما قدر ما هي انعكاس لمؤامرات ، وما هما إلا وجهان ضمن وجوه تتحرك على الساحة ، يقول في قصيدة " نريد فلسطين " مخاطبا الأشلاء العربية الممزقة في العالم ، قاصدا تشتت الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة في البقاع :
تبحثُ عن هوية ٍ
عن حلمٍ عن وطن ,
نحسبه ُ جنة ً للخلد ِ
فإذا بهِ أرض ٌ للخوف ِ
إنه يؤكد على أننا كنا نعيش في زيف كبير ، سمي حلما ، ووطنا ، ولكن الواقع كان أرضا للخوف والسجن والموت بلا كفن . هنا إلحاح على إدانة الحلم الزائف الذي روجت له الأنظمة ، مشيرا إلى حلم حقيقي كامن في أعماق الذات العربية، نابع من هويتها الحضارية وثقافتها الدينية ، وهذا ما يستدعي الخطاب المباشر إلى زعيمي القضية الآن :
يا زعماء فلسطين
سؤالي حزين
نقول ضاعت القضية
توارت الهوية ؟
ويقصد بالهوية ، الروح العربية الإسلامية التي غابت عن جوهر القضية تحت شعارات ظاهرها خير ، وباطنها سم ، وحاملها أفّاق ، وهذا ما يلح عليه في قصائد حملت رؤيته صريحة مثل : " الأقصى حزين " ، " مكان في الذاكرة " ، "على أعتاب الحلم " وغيرها .
لعل من أبرز ملامح الرؤية التشكيلية الجمالية في الديوان أنها تتضافر مع الطرح الفكري ، والإلحاح على العودة إلى الهوية الحضارية للأمة ، لذا ، يستعين دائما بالعديد من الإشارات الرمزية إلى أبطال ووقائع وأحداث وحكايات . كما في قصيدته الأولى عن ابن زيدون ومحبوبته " ولادة " ، مذكرا القارئ بتاريخ أندلسي حافل بالعزة والحضارة الزاهرة ، وهي في كل الأحوال ممثلة لزمن من أزمان العزة للمسلمين ، فنتأسى على يتم الحقبة الأندلسية وضياعها في التاريخ الإنساني عامة وتاريخ الإسلام خاصة ، فهل هذا وجه آخر للمأساة في فلسطين والعراق ؟ وهل يمكن أن تكون الأندلس المأساة مكرورة في تاريخنا المعاصر؟
إن دأب الشاعر في هذا تشكيلاته الجمالية استدعاء رموز عدة تحمل ملامح من الهوية الثقافية ، مع إعادة توظيفها في السياق النصي ، يقول مخاطبا المحبوبة، مذكرا ببعض الموروث الحكائي العربي، وهي حكاية الشاطر حسن وست الحسن, وقد رويت مرات في السير الشعبية العربية، وأضيفت إلى بعض طبعات ألف ليلة وليلة في عصور متأخرة زمنيا ، يقول :
لأني ، وأنا الفارس القادم
دوما ً على جناح ِ الريح ,
عندهم , بلا ثمن !
لأني أنا
المنتصر دوماً
والخاسر ُ دوما ً
لأنكِ أنتِ ستُ الحسن ِ
وأنا الشاطرُ حسن !
يضع نفسه في مكانة الفارس ، بأخلاق الفروسية ، في زمن باتت هذه الأخلاق مهجورة لدى القادة ، مدانة لدى الساسة ، فلا يجد سوى التذكير بأن هذا الفارس هو في أعماقه الموروثة ، من زمن الشاطر حسن ، وأن الحبيبة المبتغاة ليست أنثى عادية ، بل هي ست الحسن المشاطرة الفارس / الشاطر حسن ، آلامه وأحلامه ، وهو يلح على لفظة الريح ، التي مرّ استخدامها من قبل ، بدلالة الاستحالة في زمن العجز ، وهذا دال على تواتر الرؤية ، وانسجامها اللفظي والتركيبي في جنبات النصوص . ويقول أيضا :
وأنا شهريار الجديد
محرر آلاف العبيد
محرر شهرزاد !
إنها مجرد إشارة لجوهر حكايات ألف ليلة ، ولكن شهريار لم يعد مجرد ملك مستمع ومستمتع للحكايات ، بقدر ما تحول إلى فارس إيجابي الحركة ، فلن يقتل الجواري والعبيد ، بل يحررهن ، وسيحرر شهرزاد الأنثى ، بعدما امتلكت رؤية التغيير وفعله ؛ إنها إعادة توظيف وإنتاج للدلالة الحكائية الموروثة . وهذا ما نجده في إشارات عدة أخرى ، حيث يقول :
فنمضي بغيرِ جذور
تتقاذفنا الريح
لا ندري أين !
صحا بقلبي السندباد
أتهيأ للرحيل
فالسندباد شخصية عربية معروفة برحلاتها ومغامراتها ، ويكتفي شاعرنا هنا بدلالة الرحيل للسندباد البطل ، حيث يجد أن الرحيل ملاذ له من زمن لا جذور فيه للمرء ، ولا هوية في زمن تداخل الهويات وتنازع الثقافات ، وتظل دلالة الريح حاملة الاستحالةوأيضا الفعل القهري للبطل الرومانسي . ويقول :
لا عنترة
ولا سيف بن ذي يزن
ولا طارق بن زياد
ولا صلاح الدين !
مجدٌ مضى
فى القلب لم يزل
أريجه ُ على مر السنين !
إن الإلحاح على استحضار أبطال العرب بدءا من العصر الجاهلي بذكر عنترة العبسي بكل فروسيته ، ثم سيف بن ذي يزن أحد أبطال السير الشعبية العربية الشهيرة ، وطارق بن زياد فاتح الأندلس ، وصلاح الدين فاتح القدس ومحررها، في إشارات تكتفي باسم البطل ، تاركة القارئ يسترجع قصة كل بطل من هؤلاء على حدة ، ولكن علينا أن نعيد النظر في اختيار هؤلاء تحديدا ، فكل منهم يشير إلى قضية ألح الشاعر عليها : فصلاح الدين / القدس ، وطارق بن زياد / الأندلس، وعنترة / أخلاق الفروسية ، وذي يزن / محبة الجماهير العربية له لأنه موحدها ومحررها ، إنه أريج تعمق الصدور ، واختزنته الذاكرة .
وهذا ما أوضحه تفصيليا في قصيدة " صلاح الدين " ، حيث ألح على استدعاء البطل / الفارس ، يقول :
لا تسلنى عن صلاحِ الدين
ولا تسلنى عن حطين
قبل أن تصبح َ أنت َ
وأصبح ُ أنا صلاح الدين
إنه يؤكد على الفعل الإيجابي : للذات الشاعرة ، والمتلقي لها ، فصلاح الدين ليس فردا ، إنه رمز لأمة ، وحقبة توحد الشعب فيها وراءه ، وكانت نفسية الشعب مغذية للبطل ، ومنتجة له ، فكم من العظماء جاؤوا في حقب لم يجدوا من شعوبهم إلا صدودا وتهاونا وكسلا .
وكما يذكرنا بالبطل الفردي ، يذكرنا بالجنود ، فيقول في قصيدة " هنا بيروت
هم جند ُ خيبر
هم جند ُ بدر
جند القادسية
واليرموك !
، نعم فلا قائد فذ دون جنود أفذاذ . و نفس التوظيف يحدث في إشاراته لقصة يوسف عليه السلام ، مخاطبا المحبوبة :
كنت ُ عزمت ُ أن آتيكِ
بالأقمار السبعة المزروعة ِ ورد
أن آتيكِ ببقراتِ يوسف الِسمان
لترعى حقول الحنطة عند الشط
لكنى أأسفُ يا حبي
المحبوبة هنا الأنثى ؟ أم الوطن الذي يعاني العجز ، ورغيف الخبز؟ إنه يعيد التذكير بيوسف الصديق ، الذي عاش في بر مصر ، وكان سببا في إنقاذها من مجاعة



سبع سنين متتالية ، ولكنه يحلق بالمحبوبة / الوطن إلى آفاق النجوم ضمن طريقته في استدعاء الموروث بإشارة يسيرة ، مع مزجه بالروح الشاعرة، وهنا يستخدم الرقم " سبعة " نعتا للأقمار المزروعة ، إنها صورة تجمع السماء بالأرض بالحلم ، وهذا ما يعطي دلالة الاستحالة ، فيؤكدها بالاعتذار لأن العمر أقصر – بالفعل – عن تحقيق الحلم ، فما أصعبه ! ويعيد الإشارة إلى يوسف علي فعمري أقصر من نول الحلم
هل ه السلام في قصيدة الأسير ، حيث يقول :
ويوسفُ أنا ما زالَ نقياً
ما زال نبياً
فى زمن ٍ بغير نقاء!
إنه يخاطب يوسف الذي عاش في مصرنا العزيزة ، وملأ أرضها نورا وهداية، وخيرا ورخاء ، فتتوحد ذاته الشاعرة مع أهم ما في رسالة الأنبياء وهو النقاء، الذي تلاشى من حياتنا ، ولكنه الشاعر / الفارس / النقي . ويشير إلى قصة قابيل وهابيل فيقول في قصيدة "رسالة من قابيل" :
يسألني الغراب ُ عن ذنب ِ هابيل
وتسألني التفاحة ُ عن حواء
وأجيب ُ بأنَ الخريف َ قد أتى
على شجر ِ التوت !
إن النص لا يحكي القصة ، بل يحاورها ، فالقصة توضح بجلاء كيف أن الإنسان يأكل الإنسان ، وهذا في بداية الخليقة ، وكان البشر إخوة ، وهنا يكون قابيل مرسلا للرسالة لكل البشر ، لأنه الجاني ، ولا يعرف هابيل أي ذنب جناه إلا طاعة مولاه ، وتظل حواء الأم ثكلى ، تعاني خريف العمر ، وألم تمزق أمة البشر في بداية تواجدها الأرضي .
إن تجربة حسن حجازي الشعرية تحمل نبض الأمة ، وتنطلق من موروثاتها وهويتها الثقافية ، تنفعل بكل أتراحها ، وتدين عجزها ، وهو يعترف مرات ومرات أن العجز منا ، لا من قهر عدونا لنا ، وتلك هي الأزمة .

د/مصطفى عطية جمعة

*****

قراءة في قصيدة جرأة /حسن حجازي /سمر محمد











قراءة في قصيدة جراة / سمر محمد/حسن حجازي
الشاعر :
حسن حجازي

قصيدة ( جرأة ) )
حسن حجازي
///

أهدتني قلماً
لستُ أدري
كانَ من مسكٍ
أو عنبرْ !
قالت :
هيا يا شاعر
اكتب
عن جمالي
عن دلالي
عن قوامي
عن سحري
هيا ارسم
هيا عَبْر !
هيا طُفْ بنا
جناتِ الكوثر
وانهل من السحرِ
من الشهدِ
من عبير المرمر ،
فردَدْتُ لها القلم
وقلتُ لها:
ما جدوى الفرشاة
والحبرُ والمَرسَم
ما دامَ القلبُ
بحسنكِ لا يشعر ،
كم تمنيتُ أن يعيشَ
الحسنُ
فيكِ يا طفلتي
مع الجوهر !

استدراك:
تمنيتُ
أن يرجعَ قطارُ العمرِ
وأقسمُ
إني كنتُ سأضعها
داخلَ قلبي
وأعطرهُ بالمسك ِ
والعَنبر ،
وأحوطها سنواتِ عمري
وأغزلُ لها
من الربيعِ بيوتاً
من الوجدِ
من الشَهدِ المُكرَر ،
فتركتها والقلبُ
يهيمُ بها وبسحرها
ويُمَني النَفسَ
بقربها بوصالها
أكثر وأكثر ،
ويبكي أيامَ الشبابِ
وما كانَ مكتوباً
علينا في الغيبِ
و مُقَدر !


********



قراءة المبدعة :
سمر محمد
:
في نص"جرأة ""


بعد العولمة و الانفتاح و المناداة بـ التحرّر الأنثوي
( المنفلت أصلاً ) وجدنا أنفسنا و قد تنازلت الأنثى
عن الكثير من خجلها العذري ، و باتت جرأتها في كشف مشاعرها
لا تشكّل أية تُشكل مشكلة لديها بل بالعكس ،
فلم تعد تكتفي بالتلميح
بل بدأت تأخذ المبادرة و تستلم زمام التحكّم في كونها البادئة
.... بعض الرجال قد يستهجن الأمر الذي يعتقد أنه خارج
عن المألوف و منافٍ للتقاليد الشرقيّة التي تربّى عليها
و البعض الآخر قد يجد في الأمر طقوساً جديدة تغريه لـ الغوص أكثر
لـ معرفة أعماق هذا المخلوق الذي يسمّى ( حوّاء)
و ما أدراك ما هي ؟

فـ نجده يحلّق في لغة ٍ و كأنها سواقي ممتدّة على سيقان النعناع
لـ ينثر رياح عطر من حرف متواجد منذ الأزل لكنه بات اليوم يتّخذ رائحة مختلفة

العنوان ... جرأة

حين نقرأ هذه الكلمة نشعر و كأن ريحاً أتت تمسّد ضجر المألوف
و تبعدنا عن جرف الرّتابة ...
تأخذنا إلى حافّة جنون تنزلق فيها
الأحاسيس دون خشية من أن يحرثها الطعن لما سيأتي بعدها
فـ هي مكلّلة بشجاعة و سفورٍ لذيذ يريده الكاتب فاضحاً
دون شوائب تشكّل إعاقة ولوج لـ المتلقّي
الاستهلال في النص حركة لغوية
تُظهِر الخيال المبدع للكاتب و تظهر لنا
درجة تشابكه بـ عروة فِتنة من يتحدّث عنها
نجد هذا في ضياعه في تحديد نوع الهديّة
و ربما يكون إرباكه عائداً إلى اعتناقها مبدأ المبادرة
قبل أن يرفّ طرفه عنها
و بما أن الشاعر كان تحت تأثير لحظة معيّنة تائهاً بين
جماليّتها و بين ما اعتمل في دواخله من حساسية لهذا الكائن
المرهف الجريء أمامه و الذي اقتحم خلوته سابراً أعماقه
دون جهدٍ يذكر


اكتب
عن جمالي
عن دلالي
عن قوامي
عن سحري
هيا ارسم
هيا عَبْر !


ثمّ أتى بعد هذا دعوة لـ الطواف و النهل من الأطايب
و ما جدوى هذا ؟؟؟؟؟
يفاجؤنا الشاعر في البداية فـ نشعر و كأن من تعرض مفاتنها
بهذه الطريقة هي لوحة جميلة صدمه جمالها و أزعجه جوهر ألوانها
لـ يستدرك و ينقذنا من حيرتنا و يتمنى


تمنيتُ
أن يرجعَ قطارُ العمرِ
وأقسمُ إني
كنتُ سأضعها
داخلَ قلبي
وأعطرهُ بالمسك ِ
والعَنبر ،

تحدّث هنا بـ فطرته المصدومة و بدأ بـ تفريغ أولى إرهاصات
ما توارد في ذهنه ألا وهو التقاء الخريف بـ الربيع
و ما ينتج عن اقتحام النار للثلج
أحسّ الشاعر بـ الخفق و كأنه وزرٌ يثقل كاهل قلبه
شعر بـ (أوقيانوس) من العطر لم يعد تتسع له رئتاه
هو الذي بات قطعة غيمٍ شاردة تخشى الرياح
و وجد نفسه يخشى انتهاء الخريف تشظّياً
على أعتاب خماسين الربيع الملتهب
حاول أن يستقرئ على مهل همس الملائكة
لـ يمنح قلبه السلام فـ وجد نفسه يقلّب ذاكرة العمر
و يستعيد محطّات تأرجحت انتظاراً

و ها قد وصل القطار و لكن قدميه أعجز من الوصول لـ يستقلّه
حتى صفاراته باتت تزعج أنين أذنيه بسبب الحسرة
حسرة ارتجلتها حروفه بـ براعة المطلق الماء على الحرائق
ثم أنهى القصيد بـ تصوّف لوني ّ أظهر فيه
الرضا
بما قدّر له حين عاد لـ رشده الحكيم و شجب غوائل الشهوة .


القصيدة تختال ببساطة الحرف و قوّة المعنى
نشتمّ فيها حكمة الشاعر
(ألا ليت الشباب يعود يوماً)

بقلم المبدعة :
سمر محمد
********

قراءة نقدية في قصيدة التقويم /عباس باني المالكي/ العراق




الشاعر والناقد العراقي الكبير
عباس باني المالكي
يقدم :



قراءة نقدية لنص ( التقويم) للشاعر
حسن حجازي



*****

التقويم !


وريقاتٌ صغيرة
تسَاقطُ من أعمارنا ؟
أم من التقويم ؟
وريقاتٌ صفراء
محملة بخريفِ العمر
تتهادي بعدَ شتاءٍ قاسٍ
طويل
بسويعاتٍ
من شقاءٍ
وزفراتٍ من أنين ,
تسَاقطُ معها الأماني
مع قطراتِ المطر
وحباتٍ من ضياء
وآمالٍ حسان
سافرت بلا عودة
عبرَ السنين ,
كلما امتدت أيدينا
لنقطفَ وريقة
تمنينا أن يقف معها
العمر ,
عند لونٍ أبيض
بلونِ الطهر ,
يومٌ
كم تضاحكَ لنا
فيهِ الزهر ,
كانَ ميلادُ حبك
يوماً
بكلِ أيامِ العمر ,
ليتَ الزمنَ توقف
ونَمَت وريقاتُ التقويم
كلُ وريقة نُقِشَ عليها
ميلادَ حبك ,
تذكرني أيامَ الشبابِ
أيامَ وصلك ,
كلُ وردةٍ حمراء
تنمو مع إطلالةِ
الربيع
مكتوبٌ عليها :
"سأبقى طولَ العمر
أحبك !"
ونترك التقويمَ
واقفا
متجمداً
هائماً
ذاكراً هذا اليوم
ناسكاً
في محرابِ
وجدك ,
يحسبُ مرور الفصول
ويعُد الشعيرات البيضاء
واقفاً
متذكراً
ودمعة ساخنة
تحنُ
لهذا اليوم
لذكرى ودادك
ووصلِك !
تُرى لو تناسينا التقويمَ
وحسابَ السنين ؟
أيحفظُ الدهرُ لنا
ميلادَ حبك ؟!

استدراك :
كلما نَزعنا وريقة
من التقويم
يبزغُ من بينِ السطور
عودُ ياسمين
منقوشٌ عليه ِ
قلوبٌ صغيرة
تنبضُ
تتغنى
تتغزلُ
ببهاكَ
وحسنك !
وتظل تهتفُ وتغرد :
سأبقى طولَ عمري
أحبك !ِ
سأبقي أحبك !

أن الترابط مابين مراحل العمر والعاطفة التي تتكون داخلنا اتجاه الأشياء المحيط بنا ستبقى هي المبرر الوحيد إلى حالة الجذب إلى كل الأشياء التي نعيشها في كل مراحل الحياة لأننا لا يمكن أن نشعر بالحميمة اتجاه أي شيء دون أن تتكون في داخلنا ترابط عاطفي تجاهه والشاعر هنا أستطاع أن يستقرأ كل هذا مع ربطه بتغير الزمن في كل مراحل عمر الإنسان أي أنه ثبت جدلية هذه العواطف مع تغير الزمن وقد استفاد من اللغة المعبرة بشكل كبير عن هذه العواطف مكونا ً لغة منسابة تشكل وفق أنساق جميلة ودالة ماسكاً بعوالم الألم التي يشعرها الإنسان عند مرور عمره كوريقات تتساقط من التقويم .. والنص يشعر به المتلقي مبني على دالة العمر مؤثثا على هذه الدالة استمرار المدلول المتحرك إلى أخر نص حيث يتغير عمر الإنسان كما تتغير فصول السنة حتى توصل هذه الفصول إلى خريف وشتاء قاس وهذه هي أزمة الإنسان وقدره الوجودي فلم يعد عمره سوى وريقات تتساقط عند نهاية كل يوم والشاعر أستطاع أن يوثق العلاقة الجدلية القائمة على تناقص العمر ووريقات التقويم أي أن الاستعارة لم ترتبك فيها المعنى بل حافظ عليها وفق سياقها الوظيفي حيث أستطاع الشاعر بالاستفادة من مضي الأيام باستعارتها بوريقات صفراء لدلالة على انتهاء هذه الأيام أي وظف هذا الكشف بالترميز إلى الوريقات الصفراء في خريف أشجار وهذه مقاربة جميلة بهذه الاستعارة والمعلوم هذه الوريقات لا تسقط إلا في فصول الخريف والشتاء أي أن الشاعر أستطاع أن يدمج الاستعارة ليخرج بصورة الطبيعة معكوسة على عمر الإنسان أي أخرج الصورة المتقاربة الجميلة بدون حدوث تشويه بتحريك المشاعر الكامنة وراء هذه الصورة ....
وريقاتٌ صغيرة
تسَاقطُ من أعمارنا ؟
أم من التقويم ؟
وريقاتٌ صفراء
محملة بخريفِ العمر
تتهادي بعدَ شتاءٍ قاسٍ
طويل

يستمر الشاعر بكشف حالة المعانات من تساقط هذه الوريقات واصفا المعاناة التي تلازم الإنسان في أيام الخريف وأيام الشتاء القاسية الطويلة من زفرات أنين ولكن هنا يبرز صورة اليأس بتساقط الأماني كما تتساقط حبات المطر هو يريد أن يؤكد هنا بقدر ما حدث من تساقط الأماني لكن تبقى تلك الأيام جميلة لها طابع المطر وحبات الضياء أي أن تلك الأماني هي التي جعلته يستمر بالحياة لأنها تشكل لديه آمال حسان بالرغم أنها مضت ولن تعود ولكنه ظل متشبث بها لأنها تمثل له جوهر حياته التي مضت فنشعر أنه يريد أن يثبت كل هذا العمر انتظارا إلى مَن أحب وأن الحياة تمر عليه كوريقات لا جدوى منها وأن كل عمره ما هو إلا انتظار إلى قدومها فأنه عاشها بكل أزمانها ولكن لم تكن تعني إليه شيء سوى انتظارها الذي يكبر مع أيام عمره حيث تحولت إلى أمنية تكبر مع كبر عمره فينتظرها من أجل باقي عمره القادم فتتحول فقد استعار سافر بلا عودة عبر السنين لكي يعطي الدلالة عن جدوى الحياة بدونها فندرك أن الشاعر قد حشد كل عمره انتظارا من أجل الوصول إليها فبعد أن كان عمره مجرد وريقات صفراء يسقطها من التقويم وتمنى أن يوقف العمر أو يمتد بهذه اللحظات لتكون كل عمره الباقي .. والشاعر هنا يريد يؤكد على اللون الأبيض لكي يوحي بدلالة نضج حبهما لأن هذا اللون يمثل لون الحكمة لون النضج لهذا يريد العمر أن يتوقف عند هذا العمل لأن حبهما كبر ونضج والشاعر هنا أستطاع أن يستخدم الانزياح في تأويل الدلالة للنضج بلون الأبيض أو على الطهر في علاقتهما أي لم يسقط بالمباشرة بل أستطاع بالإيحاء وهنا يكمن سر جمال النص لأن اللغة التي أستخدمها بدل أن تتسطح فيها المفردات بقى يحافظ بعمق المعنى من خلال دلالة الإيحاء فالشاعر بعد أن وصل حبهما إلى هذه المرحلة أخذت ينظر إلى الحياة بشكل أخر حتى الزهور أخذت تضحك لهما ...

بسويعاتٍ
من شقاءٍ
وزفراتٍ من أنين ,
تسَاقطُ معها الأماني
مع قطراتِ المطر
وحباتٍ من ضياء
وآمالٍ حسان
سافرت بلا عودة
عبرَ السنين ,
كلما امتدت أيدينا
لنقطفَ وريقة
تمنينا أن يقف معها
العمر ,
عند لونٍ أبيض
بلونِ الطهر ,
يومٌ
كم تضاحكَ لنا
فيهِ الزهر ,

ويستمر الشاعر ليؤكد أن حياته ميلاد حبها في ذاته هو معنى الحياة فكا ما مضى من عمره إلا انتظارا لها فكم يتمنى أن يتوقف العمر وتتوقف تساقط الوريقات لأن حبها أكسبه مشاعر جديدة أو مشاعر تذكره بأيام الشباب والشاعر أستخدم هنا المجاز لتوضيح عمق مشاعره وجيشانها بدلالة عمر الشباب المهم أن الشاعر أستطاع أن يصوغ مشاعره بلغة استطاعت أن تستوعب كل ما أراد أن يوصله إلى المتلقي وهذا هو سر جمال القصيدة

كانَ ميلادُ حبك
يوماً
بكلِ أيامِ العمر ,
ليتَ الزمنَ توقف
ونَمَت وريقاتُ التقويم
كلُ وريقة نُقِشَ عليها
ميلادَ حبك ,
تذكرني أيامَ الشبابِ
أيامَ وصلك ,
كلُ وردةٍ حمراء
تنمو مع إطلالةِ
الربيع

مكتوبٌ عليها :
"سأبقى طولَ العمر
أحبك !"
ونترك التقويمَ
واقفا
متجمداً
هائماً
ذاكراً هذا اليوم
ناسكاً
في محرابِ
وجدك ,
يحسبُ مرور الفصول
ويعُد الشعيرات البيضاء
واقفاً
متذكراً
ودمعة ساخنة
تحنُ
لهذا اليوم
لذكرى ودادك
ووصلِك !
تُرى لو تناسينا التقويمَ
وحسابَ السنين ؟
أيحفظُ الدهرُ لنا
ميلادَ حبك ؟!

بقدر ما كان منتظر إلى مجيئها نشعر أنه بعد أن عاش معها أجمل أيامه معها ولكنه فرقها ولكن مع هذا الفرق كان أيام حبهما هي الباقية في ذاكرته وكانت ميلاد حياته الحقيقية فالشاعر بقدر ما كان يسقط الوريقات الصفراء من التقويم ولكنه بعد ميلاد حبها في ذاته يريد أن يوقف عمره كله عند الأيام لكي يعيش معها حبهما لأنها أعطت إلى حياته معنى وفرح جديد ..فهو الآن يعد الشعيرات البيضاء واقفا متذكرا أيامه مع من أحب ودمعة ساخنة وحنينه إلى أيامهما .. فهو يريد أن يشطب الزمن ولا يبقى سوى تلك الأيام التي عاشها معها أي يريد أن يؤكد أن حياته لا جدوى فيها ولا معنى بدون من أحب لأنه يريد أن لا يحسب السنين التي يعيشها دونها بل أن سنينه معها هي التي يجب أن تحسب ...والشاعر أستطاع إضاءة النص وكشف جوانبه عم طريق مدلولاته لما تحمل من لغة كانت مترافقة مع مشاعره التي أراد كشفها أمام من أحب أو بعد من أحب أي أستطاع حيازة المعنى بدون أن يسقط خطابه الشعري بالتقريرية بدل الإيحاء إلى أنفعا لاته العاطفية وفق نسق الزمن المتغير حيث هنا أستخدم مراحل العمر كافة التي تمر على الإنسان ولكنها لا تعني إليه شيء بدون من أحب أي الشاعر أسقط على مفردات لغته كل مداركه ووعيه وشعوره و انفعالاته وحافظ على تشكيل خطابه الشعري ليكون نسقه التي يتطور وفق أزمته التي يعيشها ....

استدراك :
كلما نَزعنا وريقة
من التقويم
يبزغُ من بينِ السطور
عودُ ياسمين
منقوشٌ عليه ِ
قلوبٌ صغيرة
تنبضُ
تتغنى
تتغزلُ
ببهاكَ
وحسنك !
وتظل تهتفُ وتغرد :
سأبقى طولَ عمري
أحبك !ِ
سأبقي أحبك !
وكما قلت سابقا أو هذا المقطع تأكد ما كشفت عنه في المقطع السابق حول استطاعة الشاعر إسقاط كل مداركه وانفعالاته في خطابه الشعري وفق الإيحاء بأزمته التي عاشها من انتظار الحب الحبيب إلى حدوث الفراق بينهما بالرغم من تمسكه بها إلى أخر العمر والاستمرار وأستطاع أن يحافظ على رمزية الحدث أي أستطاع باستمرار وتيرة توتره العاطفي إلى أخر النص ولم يسقط بالتقريرية بالرغم من زخم مشاعره .. والشاعر هنا في هذا المقطع يعيش في الماضي مطبوعا بحاضره بحيث ندرك أن أيامه الحاضرة هي سقوط لوريقات الماضي عندما كان يعيش مع من أحب أو هي إلا صدى وسقوط لأيامه السابقة من عمره فهو الآن لا يعيش إلا بها وعلى ذكرياتها أي أن النص حمل ثلاث أزمان قبل الحبيب وأثناء الحبيب وبعد الحبيب فنجدك كل عمره محصور ما أعاشه مع الحبيب فالزمن الذي قلبه هو انتظار له والزمن الذي بعده هو تذكر لما أعاشه معه والشاعر جعلنا نعيش ثلاث فصول بدلالات قلق انتظار ودلالات قلق بفقدان الحبيب ودلالات تذكر هذا الحبيب بأيام زمن الشعيرات البيضاء التي أخذ يعدها أي أنه أنار النص بهذه المراحل من العمر وكما قال جيمس تيسو ( أن المخيلة هي التي تلهب العواطف بأن ترسم بطريقة فاتنة أو رهيبة شيئا يؤثر فينا ) أي أن الشاعر أستمر بتولد أحاسيسه عبر مدياته العاطفية مثبتا أبعاد الزمن الثلاث وفق تجاذبات الانتظار والعيش والفقدان
مؤكدا أن الحياة لا قيمة لها بدون الحب وما الحياة إلا انتظار من أجل أن نعيش الحب الحقيقي الذي يمنحنا ( عودُ ياسمين /منقوشٌ عليه ِ/قلوبٌ صغيرة /تنبضُ /تتغنى /تتغزلُ /ببهاكَ /وحسنك !) والزمن لا نستطيع أن نوقف زحفه على حياتنا إلا بالحب والمحبة .....
***************


مسافر غلى الغد // بقلم عمر علوي /شاعر مغربي /حسن حجازي

شاعر وقصيدة


حسن حجازي وبصمته الشعرية/نكهة الزمن الجميل
عمر علوي ناسنا
المغرب

________________________________________

غريبة تلك اللحظة التي تبحث فيها عن نص يستطيع أن يدعي معرفته العميقة بصاحبه، معرفته لخلجان روحه ولتفاصيل دروبه ، وفيما تركب موجة البحث تشرئب أعناق نصوص كثيرة لكن قلة فقط تستطيع أن تمنحك ذاك اليقين اللذيذ بأن أنفاس الشاعر في نص ما أثيرة وعميقة.

ذاك ماخالجني وأنا أبحث عن نص شعري في السلة الإبداعية لأخينا الفاضل الجميل حسن حجازي والسؤال الذي يسكنني من يمثل الآخر أكثر ؟ الشاعر يمثل النص أم النص يمثل الشاعر ؟
وبصرف النظر عن ايهما فتح السفارة في أرض الآخر فإن البحث لم يطل كثيرا حين نقر أحد نصوصه نافذة التلقي المشرعة وهو النص التالي:

مسافرٌ إلى الغد !
حسن حجازي/مصر

بينكَ وبينَ الضفةِ الأخرى
لم يبق سوى القليل
أو أكثر بقليل
أو أقل بقليل ,
بين َ الظلمةِ والنور
بين َ خطوطِ اليأس
وآمالِ الرجاء ,
تقدم
لو عمَ السواد
تقدم لو سرقوا من العينِ الضياء ,
تذكر أنك َ على موعد ٍ هناك
أصمد لو كُسِرَ المجداف
لديك َ الف ُ ذراع ٍ وذراع
أصمد
لو بَعُدَ الشط
أصمد
لو تاه الغد
أصمد
لو تجمعت كل ُ المَرَدة
وأعوانُ الشيطان
أصمد
لو تجمعت ألوانُ الزيف
وتجمع كلُ السحرة
من عهدِ فرعون
الى البنتاجون
لا تخف
إلق ِ عصاك
فيكَ بأسُ موسي
نبضُ عيسى
نورُ محمد
تشبث بالإيمان :
" ..... فلا يغرركَ تقلبهم في البلاد " ,
وتذكر " إرم ذات ِ العماد " ,
تقدم
لو سرقوا من النورِ الشطآن
ولا تنس إنكَ إنسان
يسري فيك َ النورُ الأبيض
من ملائكة ِ الرحمن
تتنفسهُ في بسمة
في نسمة
في وردة
في رفرفةِ فراشة
تداعبُ ألوانَ الطيف
فلتمسك بالضوء
وتتمسك بالطهر
يصبح ُ الليل ُ الأسود ُ عندك ظُهر
يهديكَ إلى الشط
أصمد فالمرسى ليس بعيد
تحمل على ظهرك َ همومَ العبيد
احلام َ المقهورين
المنهزمين
البسطاء
الغرباء
ضحايا الغلاء
ضحايا النفط
ضحايا القحط
العطشى لشربةِ ماء
للستر
للكِساء
أصمد فالشاطيء ليسَ ببعيد
ها... قد وصلنا
تشبث بالغد
بالوعد
أثبت يا عبد الله
أثبت ثبتكَ الله
أنظر للطهر
لينابيعِ الخير
هناكَ آلافُ الأحرار
هناكَ الأطهار
هناكَ الأبرار
هناكَ الأحبار
وأخيراً وصلنا للشط
وصلنا للغد
وأخيراً أدركنا الخلد
وأخيراً
وجدنا الله !


--------------------------

مايميز نصوص الأخ الكريم حسن حجازي دائما هو عبق الزمن الجميل أياما يمكن أن تطل عليك من الماضي حاملة صورة عن عالم منسجم , عالم فيه كثير من النقاء وكثير من قدسية الروح، وفي نصوصه الشعرية دائما تحضر المرأة لتمثل كل تلك القيم وتحضر البلدة ويحضر الإنسان هذه المفردات الثلاثة: المرأة / المكان/ الإنسان هي الأنوية التي يتغذى عليها المعجم الشعري للعزيز حسن حجازي وهي ايضا التي تحكم أفق الدلالة عنده في نسيجه الشعري الوافر.

في هذا النص قد يخيل للقارئ أن بحث الشاعر قد خرج عن تلك الأنوية ولكن القراءة المتأنية تكشف عن حضور تيمة الزمن الجميل الذي يتغذى على ذات الأكوان الدلالية الثلاثة.

أختار الشاعر تيمة السفر ومحورها في صورة المسافر وهو ما أعطى للقصيدة بعداً زمنيا وربطها بكل الأسنن الثقافية التي يملكها القارئ عن السفر ومعطياته ، ولأن الأمر يتعلق بالشعر تحديداً فإنَ السفر هنا سيتحول إلى استعارة كلية تجمع كل تفاصيل القصيدة ، وهنا أود أن اشير لإلى أنه أحيانا يلاحظ في الظاهر أن قصائد الأخ حسن حجازي تتجه نحو المباشرية تحذوها حماسة الموضوع ولكن التأمل يكشف عن أمن المباشرية احيانا قد تكون أداة فنية حين تتحول إلى صورة كلية يتغذى عليها كل المشهد الشعري.

السفر هنا يخرج من مجاله المباشر ليستأسد على كل الأزمنة وفي حركة القصيدة وفي محطاتها التي تجمع بين الإجتماعي والقومي وبين السياسي والثقافي يتحول السفر ألى رحلة تطهير يحركها الشاعر بفعل أمر مركزي يوجهه دائماً للمسافر طالباً منه تجاوز الخيبات ومرارة ماتقدمه الرحلة من خيبات ومثبطات اجتماعية وقومية وسياسية
ليتحول فعل الأمر إلى قاطرة وإلى سوط يلفح عزيمة المسافر الذي ينتهي به التطهر والإصرار إلى نقطة مركزية هي المصب الدلالي العميق للقصيدة وهو الله:


وأخيراً وصلنا للشط
وصلنا للغد
وأخيراً أدركنا الخلد
وأخيراً
وجدنا الله !
----------

حسن حجازي أحسن الإشتغال على سفر إلى الله فصنع في المحطات سيرة الإنسان/ إنسان الزمن الجميل.


عمر علوي ناسنا
شاعر
المغرب

________________________________________

//////////////////////////////////////////

شهادة من تونس /د/ غبراهيم درغوثي

شهادة حب من تونس

القاص والمترجم التونسي
دكتور :إبراهيم درغوثي



قالوا عن حسن حجازي :



عرفت في حسن حجازي الشاعر الرقيق الذي يجود نصه الشعري كما يجود الصائغ سبيكة ذهبية ،فيختار له من الكلمات أجملها و من المعاني أحلاها ليأتي عذبا سلسبيلا يروي عطش القارئ و يشبع نهم المتلقي الباحث عن جماليات الكتابة الشعرية الحديثة.
و عرفت فيه القاص المبدع الذي يقترب بذكاء في نصوصه السردية من مشاكل الإنسان و الوجود . فيقول كلمته بذكاء ليبلغ رسالة اجتماعية و سياسية كم نحن في حاجة إليها في هذا الزمن المتكالب على أمتنا و شعوبنا العربية المغلوبة على أمرها.
كما عرفت في حسن حجازي المترجم الذي يختار النصوص التي يترجمها بحس الفنان باحثا فيها عما يأسر المتلقي الآخر ، فينقل له النص القادم من ثقافة أخرى و عوالم مختلفة عن عوالم إبداعه ليضعها بين يديه طازجة كأنما خرجت لتوها من يدي صاحبها الأصلي.
في كلمة حسن حجازي هو ذاك الكاتب الذي يصوغ نصه الإبداعي و كأنه ذاك الخزاف الذي يحول الطين إلى تحف تخلب الألباب و تأسر القلوب.

حسن حجازى ... ولعبة التحولات دراسة عن :( التي في خاطري ) بقلم / إبراهيم محمد حمزة

رؤى نقدية
في :
التي في خاطري



حسن حجازى ... ولعبة التحولات
دراسة عن :( التي في خاطري )
بقلم / إبراهيم محمد حمزة


فى دواوينه السابقة التى أتيح لى مطالعتها – همسات دافئة ، حواء وأنا ، فى انتظار الفجر – يغلب على تجربة حسن حجازى اللون العاطفى ، ربما مال ديوانه " فى انتظار الفجر " إلى موازنة بين الهم العام والهم الخاص من خلال استيعاب أوجاع العصر بجانب أوجاع القلب ، لكن شاعرنا هنا يبدو صريحا فى انحيازه للهم العام ، خاصة أوجاع الوطن ، وهو ما يزيد من صعوبة الأمر بلا شك
فإن كان يلمّح ببراءة طريفة فى قصائده السابقة كقوله
( فلم يجدوا سوى شاعر /
فى أول الصف /
ينتظر دوره /
أمام أحد المخابز المغلقة )

وإن كان فى ديوانه (حواء وانا ) يبدأ صفحاته بقصائد باكية مثل قوله (إيه يا بغداد يا قلب العراق / يا نبض العروبة ، ويارمزا للاجداد ...)
وإن كان قد نثر العطر النزارى الحميم فى أرجاء ديوانه " همسات دافئة " فإنه هنا مخلص لقضية العروبة ، وينتج شعره من هذا الفهم لجدوى الشعر ، فالشعر لدى حسن حجازى رسالة ؛ ومن شروط الرسالة أن تكون شديدة الوضوح ، وهى رؤية لها وجاهتها ، وإن كانت لها مثالبها عند نقادنا القدامى ، وقد أشار الجرجانى فى " أسرار البلاغة إلى أن القارىء يأنس ويفرح إذا استطاع بعد جهد أن يحصل على معنى يستحق الجهد الذى بذله "
لكنه يذم التعقيد إذا كان اللفظ لم يرتب الترتيب الذى بمثله تحدث الدلالة على الغرض ، وقد ذم هذا الجنس لأنه احوجك إلى فكر زائد عن المقدار الذى ينبغى فى مثله "

ولذا فشاعرنا يقدر طبيعة العصر ، خاصة أنه اعتاد الشعر العاطفى ، الذى يسيل رقة وعذوبة ، ولهذا كان الانتقال إلى الشعر السياسى خاضعا لتقاليد تتناسب والعاطفة أكثر ، الوضوح ، البساطة ، المباشرة ، الزخم الموسيقى البالغ ...
نداء :
لمنظمة الأمم
للجامعة العربية
للجان الثورية
للمجالس المحلية
المركزية
ننادى
هل من مجيب ؟
يلجأ شاعرنا للطرح المباشر التلقائى ، غير أنه يطعّم ذلك الطرح المباشر
، بالرمز حينا وبالتضمين احيانا وبالتناص فى أحيان أخرى ، وهذا الرمز يلجأ له شاعرنا بحذر شديد ، بل ويرفق " مذكرة تفسيرية " بإشاراته فى نهاية القصيدة ، إنه المنحى الاجتماعى الطاغى لدى الشاعر ، والذى يدفعه لاستحضار صورة القارىء دائما ، كذلك هو طابع المعلم (المدرس ) الذى يخشى دائما الإنغلاق ، يخشى صعوبة التلقى ، يخشى أن يكون ممن قال عنهم نزار قباني :
شعراء هذا اليوم جنس ثالث
فالقول فوضى والكلام ضباب
ولأن الشعر ليس نية طيبة فحسب ، فقد خرجت للحياة الأدبية – والكلام لصلاح عبد الصبور – نماذج أدبية رديئة كان جديرا بأصحابها أن يكتموها بين أضلاعهم أو فى أدراج مكاتبهم ، ولكن خرجت تلك النماذج إلى الحياة العلنية لكى تملأ الجو الأدبى ضجة بلا صدى ، وأنا – والكلام ما زال لعبد الصبور – أعذر القارىء حين يرى تلك البضاعة الرديئة فينصرف عنها " أقول لكم عن الشعر

وهل منع الوضوح تحميل القصيدة العربية بأقصى اندفاعات السياسة وأتم درجات الوعى ؟
إن الشاعر هنا يسعى للارتقاء بنصه عبر آلية محببة لدى المتلقى ، أعنى السخرية ، والسخرية مع قلب الحقائق هنا تأتى دافعة للتفكير ، مرهصة بغضب آت قريبا ، يقول :
لحكومةِ الكيان
الصديقة الرقيقة
الشريفة العفيفة
صاحبةُ العصمةِ والصولجان ,
المنزهة عن الخطأ
والنسيان ,
صديقة " الفيتو"
المنزهة عن العدوان ,
المدللة في قلبِ أمريكا
المُنعِمة الواهبة
المانحة السابحة
بيان :
يا صاحبةَ العصمة والسلطان
أيتها المترفعة عن الصغائر
الماهرة
في العزف علي الضمائر
الساهرة
الداعية للسلام
سلام ,
الشاعر هنا يبدأ فى الثورة على ذاته ، وعلى لغته ، وعلى اهتماماته السابقة ، وموضوعاته الأثيرة ، ويستجلب لغة أكثر حضورا ( أنادى عبر المحمول / عبر المأمول / من الأمس / لليوم / للغد ) ويصل به الغضب إلى حد التناص المقلوب ( إن كان بك غضب علىّ فلا أبالى )هو بهذا التناص المخيف يعلن أقصى حالات يأسه ، هذا اليأس الممتد من " الدويقة " بقلب القاهرة إلى كافة بقاع وطننا العربى ، وتسهم الأسطورة فى رسم ملامح هذا الغضب اليائس ( يا عدالة السماء :
ألم يكفِّر سيزيف – بعد –
عن كل خطاياه ؟)

إن أحد النقاد الغربيين – جورج نونمشار – يرى فى كتابه دلالات الأثر" أن القدرة الشعرية تكمن فى جعل ذلك الجانب المظلم من الكينونة يفصح عن نفسه "
وإن كنا لا نبرأ النقد حتى يقول عنه عبد المعطى حجازى أن النقد يقف موقفا يبدو كأنه موجود وغير موجود فى آن واحد "
لكن تجربة حسن حجازى فى هذا الديوان – التى فى خاطرى – والذى يؤكد فيه عبقرية استخدامه للتناص بداية من العنوان الملفت ، والمحيل إلى نص شهير ُمغنى " مصر التى فى خاطرى " ثم يواصل تناصه عبر القرآن الكريم فى جهات عديدة متكررة ، كاشفا عن توجه دال على تدين عميق ، وثقافة طيبة ، لكنه يظل قادرا على التغنى بالآنى – الحالى – مهما كانت مباشرته ، ومهما كانت تداخلاته مع سابق مواقفه ، خاصة فى معالجته المتكررة لقضية غزة وفتح الحدود وتاثير ذلك على مصر ، ثم لعبة التنكر لمصر ومواقفها .. إلخ
الخطورة هنا أن يكون الشعر ردا مباشرا – عاطفيا – للضغط الإخبارى الذى نتلقاه عبر إعلامنا ، ثم أنه مرتبط بلحظة معرضة للنسيان ، ولهذا لم يعد الشعر ينتظر الخلود ، إنما قنع الشعراء بمجرد التعبير الصادق عن الذات ..
مصرُ بعدَ اليوم
لا انهزام ,
مصر دوماً
للأمام ,
مصر دوماً
للأمان ,
وكانت عيونهُ
كالصقر
عينٌ على القدسِ
وعينٌ للسماءِ
شاكرة
وأخرى نحو القاهرة
ترنو لأيامٍ قادمة
تبني بلداَ للمحبة
للسلام
أعود للقول إن تجربة شاعرنا فى هذا الديوان ، تحمل تطورا فى الرؤى ، وانخلاعا من الذات إلى خارجها ، وتماسا مع قضايا حاكمة خانقة للمواطن العربى ، ولذا فالديوان القادم ، سيكون أكثر غضبا ، وأشد قربا من الرجل العادى الموجوع بالأسعار والقهر والجهل والفقر ، وفى كل الأحوال ، أنت امام شاعر رسالى ، يسعى بكلمته للناس عبر لغة واصلة وصورة قريبة من الناس ..
فهل هناك أبهى من ذلك ؟!
إبراهيم محمد حمزة
8يوليو 2009م

عندما ينتصر الشعر! قراءة تحليلية في ديوان "التي في خاطري" للشاعر حسن حجازي. / د. أسماء غريب

عندما ينتصر الشعر!
قراءة تحليلية في ديوان "التي في خاطري" للشاعر المصري حسن حجازي.
د. أسماء غريب

هنا كما الهناك المتوسطي, حيث الأرض تزهر برتقالا, و زيتونا وكستناء و حيث البحر يرزق الناس خيرا كثيرا و السماء تغطي بحنو جبالا تتزيّنُ زرابيها بأكاليل الآزير الخضراء, وأغصان الزعتر البرّي, وحيث السهول تتسربل بأغطية من الخزامى, و من إبر الراعي, و زهور الأيهقان والأقحوان. هنا بإيطاليا, حيث الناس يتحدّثون لغة أخرى تبنّيتُها بقلبي أختا للعربية , لغتي الأم , مازال الحرف يُمارس بين ثنايا الفؤاد سحره و مازالت الكلمات تُمطر بصدري أصواتا تجذبني من أرض إلى أخرى, رغما عن البحار و الجبال التي تفصلني بين الهنا الإيطالي و الهناك العربي المصري و مازالت أبجدية الفرقان تئنّ بداخلي و تقذف بي إلى أماكن رأيتُ على تراب بعضها النور, وقرأتُ عن بعضها الآخر في خواطر و همسات الأدب العالمي و حدّثني التاريخ عن بعضها الثالث و عن أنبيائه و قديسيه, عن ملوكه و أهراماته عبر رَحِم كنتُ ولا أزال أسمعُ بداخله أصواتا تحبلُ نبراتها بآهات أناس طهّرتها مياه النيل وصيّرتْ آلامها آمالا,و أحلامها قصائدا سَمَتْ بها الأرواح و استحضرتِ الظّاهرَ و الباطنَ من قلوب أبناء أقاموا ل"مصر" بأفئدتهم و خواطرهم محرابا أزهرَ حبّا و عشقا امتدت أغصانه حتى عانقت الأمة العربية وجعلت منها أرضا و وطنا آخر أكبر هو بمثابة أُمّ لجميع العرب على اختلاف انتماءاتهم الجغرافية و الدينية و الفكرية من المحيط إلى الخليج, و هي ذاتها فكرة الحب التي يتمحور حولها "التي في خاطري", أو ديوان الشاعر المصري المعاصر "حسن حجازي" موضوع هذه الدراسة و المستوحى عنوانه من قصيدة الشاعر الكبير "أحمد رامي", "مصر التي في خاطري" و التي كانت قد غنّتها سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" سنة 1952. عنوانُ حُبلتْ كلماته بشتى المعاني و الإيحاءات القوية, كلماتٌ فيها عبق وعطر من التاريخ المصري القريب و دمع و آهة على التاريخ المعاصر, "فمصر التي في خاطري" كمنظومة لغوية, ليست أبدا ك "التي في خاطري", فالفرق بينهما بيّن و كبير, و البون بين الفترة التاريخية التي أفرزت الأولى و الظروف التي أفرزت الثانية شاسع ولاحدّ لها, فبالأمس القريب و بالذات في الخمسينيات, كانت "مصر" مهدا للحلم العربي الكبير و تبنّت أكثر قضايا الأمة تعقيدا و استعصاء رابطة آنذاك مصيرها بمصير شعوب الأمة العربية, أما اليوم ورغم الاحتواء الذي تشير إليه لوحة الغلاف, إلا أنّها أمُّ ُ تحبطها الظروف الحالية و الأزمات بشكل يجعل قلبها يحترق حد الموت, قلبها الذي يحاول بكل ما يملك من قوة الانطلاق عساه يصل إلى برّ يضمن فيه لكلّ فلذات الكبد, الأمن و السلام من مغبات الزمن و غدرالأعداء المحيط به من كل جانب.
دلالة الأم, "مصر" و "الأمة العربية" , ليست حاضرة فقط بلوحة الفنان الكردي " فهمي بالايي" التي اختارها "حسن حجازي" لغلاف ديوانه و لكنها حاضرة أيضا في الإهداء, فالديوان و ما يحمل من أنين و ألم و غضب هو لأمّه الوالدة في دار البقاء و ل"مصر" و "الأمة العربية" كلتاهما في دار الفناء.
ب "التي في خاطري" ودّع الشاعر العام الماضي و استقبل ال 2010, و مرّ عام و حلّ آخر و"مصر" لاتزال حلقة من حلقات الصراع الدولي و لايزال العديد من أبنائها يؤمنون بمبادئ ثورة يوليو و يعتبرون أن الدول التي ترغب في النهوض عليها أن تتحمل مسئولية دعم الدول الأقل حظاً، ولكن هل هذا ياترى ممكن في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي تمرّ بها العديد من شعوب دول العالم , هل هذا ياترى مقدور عليه في ظل الهم السياسي الذي يجثم على صدر العديد من أبناء الأمة العربية و الشاعر بقصائد ديوانه هذا صوت من أصواتها؟
"هنا الدويقة", أولى قصائد هذا الديوان الذي يضم بين دفتيه في ترتيب متعمّد و مقصود إثني وثلاثين نصا شعريا, تحمل الجواب عن هذا التساؤل, "هنا الدويقة" و هي القصيدة التي ترجمتُها إلى اللغة الإيطالية و نَشَرتْها "كليبسيدرا" ضمن ديوان رقمي وُسم ب "همسات من وراء البحر", ستبقى للأجيال التي ستأتي بعدنا ليس كصرخة شاعر فقط و لكن كوثيقة تاريخية في غاية الأهمية, لأنها سجلت بعدسة وثائقية تفاصيل الكارثة التي ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء بسبب الإهمال و تجاهل تقارير الخبراء الذين كانوا قد حذروا سابقا من عواقب بناء المنازل في هذه المنطقة ذات الصخور الرخوة القابلة للانهيار .

القصيدة الوثيقة, تندّد بكل هذا وتبعث رسالة استغاثة إلى كل مناطق العالم وبكل لغات الأرض فهي نداء كما يقول الشاعر:
"لمنظمة الأمم
للجامعة العربية
للجان الثورية
للمجالس المحلية
المركزية"
فهل من مجيب لصوته الذي يتوحّد مع أصوات المقهورين في كل مناطق المحن, في "المقابر", و "المخيمات", في منازل "الصفيح" و" العراء" , في "دير ياسين" و في "كربلاء"؟ ليس ثمة من مجيب, وما أشبه صمت اليوم بالأمس !

يقفز الشاعر بين نصوصه, وينتقل بأصبعه من دُمّل إلى آخر, ينكأ الجراح و يصل إلى أكثرها إيلاما, فينزف قلمه وهو يحكي عن مصاب "غزة" و "القدس" الجلل وسط عجز و صمت الجميع في قصائد تتصدع لها الأحجار ولاتهتز لها بعض من قلوب بشر عُجنت بماء شيطان جائر.
"حسن حجازي", في نصوصه المكتوبة بلغة بسيطة في زمن تتلكأ فيه الأقلام و تكتب أشياء تستعصي عن فهم البسطاء من الناس, يحكي لهم عن "فلسطين" و عن الخذلان العربي, وعن الفساد السياسي إلا أنه لا ينسى أن يحكي لهم عن حزن القمر عبر نص غاية في الروعة أسماه, "وانشق القمر" , أجل فالقمر يحزن و يألم لما يصيب الناس من قساوة في القلب و من جحود أودى بهم إلى إغلاق كل مسار وطريق تجاه الحوار و الصلح و المشاورة. فلا أمل, و القضايا المصيرية ستبقى معلّقة إلى أجل غير مسمّى.
حركات النصوص بالديوان لولوبية, "مصر" وقضاياها مركز انطلاقها و "فلسطين" و آلامها نقطة وصولها, و بين النص والآخر سفر دائري, و بينه و بين الخارج علاقة وشيجة, فهذه قضية "المعابر" وتلك قضية "حماس" , وهذا "الصقر/مصر", وتلك "طابا" و رسائلها المغرقة في الأمل و الرغبة في التغيير:
"من طابا
لدير سانتِ كاترين ,
من قلعةِ صلاح الدين
للأزهر
للحسين ,
من جزيرةِ الفرعون
لمسجدِ السلطان حسن
وأهل بور سعيد
الطيبين ,
لمصنع أبي زعبل
لمدرسة بحر البقر
لحي الغريب
للأربعين :
نحنُ من مصر
وبمصر
ولمصر
بكلِ الود
بكلِ الحب
وبكل الحنين
أوفياءٌ
على مر
السنين !"

فهل ياترى أثّرث هذه العلاقة بين الداخل و الخارج على جمالية الديوان و فنيته الأدبية؟ هل نجح "حسن حجازي" في تذويب الشعري في السياسي؟ وهل الانشغال بالهم السياسي أصاب الكتابة الشعرية داخل الديوان بتحجّر و تعقّد الفعل الإبداعي؟ ثمة من يقول أنه كلّما اشتغل الشاعر بالسياسي, كلّما كفّت نصوصه عن أن تكون شعرا... هذا ربما يكون صحيحا إلى حدّ ما, إذا كان الهم السياسي هو المتحكم في لحظة الإبداع و الإلهام, إلا أن الأصح هو أن يكون الشعر من يجتذب الواقع السياسي و هي استضافة لايمكنها أن تتحقق إلا إذا فتحت الذات الشاعرة معابرها نحو اللغة. والشعر بغض النظر عن النظرية الآنفة الذكر, يبقى دائما أكبر و أسمى من أي حدث, تاريخيا كان أم سياسيا, والصلة بينهما تبقى قائمة دائما على التعارض و الصراع و هي معادلة توفَّقَ في حلّها الشاعر داخل ديوانه عندما تبنّى لترتيب قصائده استراتيجية فنية, اتبعت المنهج الهرمي الانفراجي, أي أنه بدأ من القمة و انفرج كلّما اقترب إلى القاعدة, أو بتعبير آخر, بدأ بالنصوص ذات المواضيع التي هزّت المواطن المصري بشكل أشد إيلاما وحدّة, كقضية "الدويقة" و "المعابر" و "غزة" و" القدس" كي يتطرّق بعد ذلك إلى تلك التي تبشر بالأمل و الفرج كالقصائد التي خصصها إلى "طابا" و يبلغ الانفراج ذروته حينما يختم ديوانه بقصائد حب في غاية الجمال و الرومانسية. وحدها هذه الاستراتيجية تُظهر للقارئ بأن الشعر دائما هو المنتصر و هو الذي عليه أن يحلّ مشكلة الصراع بين الإبداع الأدبي و الحدث السياسي بشكل يجعل الحدث هو الخاضع للشعر و ليس العكس و هذا ما تشهد به بعض من قصائد الديوان الأخيرة حينما يقول الشاعر في أروعها, "التقويم" :

كلما امتدت أيدينا
لنقطفَ وريقة
تمنينا أن يقف معها
العمر ,
عند لونٍ أبيض
بلونِ الطهر ,
يومٌ
كم تضاحكَ لنا
فيهِ الزهر ,
كانَ ميلادُ حبك
يوماً
بكلِ أيامِ العمر ,
ليتَ الزمنَ توقف
ونَمَت وريقاتُ التقويم
كلُ وريقة نُقِشَ عليها
ميلادُ حبك ,
تذكرني أيامَ الشبابِ
أيامَ وصلك ,
كلُ وردةٍ حمراء
تنمو مع إطلالةِ
الربيع
مكتوبٌ عليها :
"سأبقى طولَ العمر
أحبك !"
ونترك التقويمَ
واقفا
متجمداً
هائماً
ذاكراً هذا اليوم
ناسكاً
في محرابِ
وجدِك ,
يحسبُ مرور الفصول
ويعُدُ الشعيرات البيض
واقفاً
متذكراً
ودمعة ساخنة
تحنُ
لهذا اليوم
لذكرى ودادك
ووصلِك !
تُرى لو تناسينا التقويمَ
وحسابَ السنين ؟
أيحفظُ الدهرُ لنا
ميلادَ حبك ؟!


بقلم :
د. أسماء غريب
إيطاليا

قراءة عابرة في ديون "همسات دافئة " للشاعر حسن حجازي بقلم منير مزيد

قراءة عابرة في ديون "همسات دافئة " للشاعر المصري حسن حجازي

بقلم
منير مزيد



الحب كان دوما غريزتَنا الطبيعيةَ كبشر ومنذ زمن طويل جداً والناس تبحث عن معنى الحبِّ حتى الفلاسفةَ العظماءَ بتعاريفِهم العميقةِ لم يستطيعوا مس جوهرَه الحقيقيَ بالكامل لأنه يُشيرَ إلى تَشْكِيلة من المشاعرِ المختلفةِ، والحالات والمواقف، تتَرَاوُح مِنْ السرورِ العامِ إلى الجاذبيةِ الشخصيةِ الحادّةِ. هذا التنويعِ مِنْ المعاني إندمجَ مع تعقيدِ المشاعرِ، لهذا يصبح تعريف الحب صعباً جداً مقارنة بالحالات العاطفيةِ الأخرى. أما الفهم الفلسفي بخصوص الحبّ يَبْدأُ بالأسئلةِ المتعلقة بطبيعتِه ، وهذا يُشيرُ ضمناً إلى أنَّ الحبّ لَهُ 'طبيعة خاصة ' وبأنّ الحبِّ مَفْهُوم
لاعقلانيُ ً، بمعنى أنه لا يُمْكن أنْ يُوْصَفَ في المقترحاتِ العقلانيةِ أَو ذات المغزى، فالحبّ قَدْ يَكُون طردا للعواطفِ التي تتحدّى الفحصَ العقلانيَ ، والمعالجة الفلسفية للحبِّ تَتجاوزُ تَشْكِيلة المجالاتِ الثانويةِ ضمن نظريةِ المعرفة والميتافيزيقيا والدينِ والطبيعة البشريةِ والسياسةِ
والأخلاقِ ، بالإضافة إلى بعض البيانات أَو الحجج المتعلقة بالحب وطبيعته ودوره في الحياةِ الإنسانيةِ..
تعتبر قصائد هذا الديون "همسات دافئة " للشاعر المصري حسن حجازي بمثابة بوح ذاتي، تجنب الشاعر كل ما يوجب التعقيد والغموض أو التشويش ، ولجأ إلى البساطة والعفوية والوضوح في التعبير بأسلوب سلس وشيق دون إغفال الصور الفنية والتي جاءت كعملية استبصار ذاتي ضمن النموذج الإنساني والمحسوس والملموس من الأشياء..

والكون ُ الأسود ُ يتلاشى
فى صوتِ السحبِ الداكن
وبقايا من دخان
يعبث ُ بالنشوة ِ بالكأس ِ
ببقايا الورق ِ الوردي
ورسائل ُ عشق ٍ مصلوبة
نحرقها فى إثم ِ اللذة
وتغرقنا فى بحر ِ الأحزان

افتراضيا، الحبّ لَهُ طبيعة خاصة يَجِبُ أَنْ تكون إلى حدّ ما ، على الأقل ، معرفة ضمن مفاهيمِ اللغةِ ، لغةِ ملائمةِ من الوصف ، لهذا قد يكون الحبّ قابلا للمعرفةَ ومفهوما للآخرين، كما يفهم في عباراتِ مثل ، "أَنا عاشقُ "،" أَحبُّك" ..
والله ِ أحبك ِ أكثر
أحبك ِ أكثر
أحبك ِ أكثر !!
شعورياً أَو لا شعورياً ، كُلّ شخص يُفتّشُ ويَنتظرُ شخص ما للظُهُور في حياته لكن يبقى السؤال الأكثر حيرة : أين ومتى يَظْهرُ هذا الشخص " الحبيب ".الكل يعرف بأن هذا الحبيب قد يكون في مكان قريب أَو حتى بجانبك أو في مكان ما إلا أن هذا الأمر يعتمد بشكل كبير ومباشر على القدر باعتبار أن كل ما يحصل فهو مقدر في اللوح المحفوظ..

فإن َهواك ِ
كان َفى الغيب ِ
مُقدر !
مرة أخرى، القدر هو شّيء آخر لا يُمْكن تفسيره ، وتوضيح معناه ، فالقدر شيء مُدهِشُ جداً
دائماً ، فهو سر الله في خلقه، وهو من الغيب الذي استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحد سواه .. بين الملايينِ وملايينِ الناسِ ، يجد الإنسان نفسه مدفوعا بعواطفه نحو شخص معين ، وهذا الشخص سرعان ما يمثل للاخر الإنسان الأعز والأغلى على القلب ويحتل المساحة الكبرى في التفكير والوجدان من بين كل البشر..
لوضعتُ نساءَ العالم ِ
فى كفة
ووضعتكِ فى كفة
وقلبي معك ِ
لرجحت كفتكِ بالميزان !

يتفق الجميع بأن لا معنى لحياة دون حب ، الحب المرتبط دائما بالقلق والعذاب ، إذ يوجد دوما هاجس عشقي يتوق له الشاعر إلى الحبيبه تؤدي به إلى اكتشاف مكامن الجمال في النفس البشرية..
وانأى عنك ِ أزيد ُ هوى
وانأى عنك أزيدُ جوى
وانأى عنكِ لأدنو أكثر

يحلم الشاعر حسن بفتاة الأحلام التي تلازم وتراود خياله وأحلامه ، وقد أختار فتاة غجرية وهذه دلالة على الحرية فقد عرف الغجر بأنهم شعوب تغنّي عواطفها وخوفها، هواجسها وآلامها، أعراسها وقصص غرامها
أحلم بفتاة ٍ غجرية
ما ذاقت حلو اللمسات
لم تسمع عن معنى العشق
لم تُلقن معنى الفضيلة
لم تذق طعم َ الحب
وسرعان ما يغرق في أحلامه
احدث ُ نفسي بأنك ِ عدت ِ
أصبر ُ نفسي
بالأحلام ِ
بالأوهامِ
وبالتذكار
لكنكِ خنت ِ
وليتكِ عدت ِ
مع الإعتذار
فثارت روحي
ونسيت ُ جرحي الدامي

ويصور لنا عيناه بلؤلؤتين من كوكب غريب وقلبها صاف بصفاء المرأة الأولى "حواء "، وهنا دلالة رمزية في اللاوعي تشير إلى" الأم والأمومة" باعتبارهما مصدر الصفاء وغذاء روحي عظيم ، فالقلب النقي هو أفضل مرآة لانعكاس الحقيقة...

أحلم بفتاة ٍ عيناها لؤلؤتان
من كوكب غريب
تحفظ فى قلبها النقاء الأول
لحواء !

بهذه الصورة نستطيع أن نتخيل " حبيبة الشاعر " ، فتاة غجرية بما تحمله من جمال انثوي وما تتمع به من غموض وعفوية وعذوبة كالحلم ( فهل تعلمين أنك عذبة كالحلم ) و لها نزوع نحو التحرر والانعتاق وتحمل في قلبها النقاء والعفة مثل والدته

كما تحتضنُ الطفلَ الأم
فى أمسيات الربيع
قبيلَ الفطم
ويشتد حنين الشاعر إلى تلك الحبيبه ويأمل في حضورها فيقول :

فادخلي قلبي
وأضيئي بالحب دربي
واسقني خمرَ شفتيك ِ
حنانيك !
ِ
وسرعان ما نكتشف تأكيد الشاعر على أن هذه الحبيبة موجودة فقط في اللاشعور واللاوعي وأنه لم يقابلها بعد إلا في الأحلام ، وتبقى الحبيبة في اللاوعي للشاعر حتى تمده بالطاقة العاطفية الخيال من ينابيع الطاقة العاطفية والخيال بالسحر والفتنة وبتغذية الهامه الشعري لتولد الفكرة الخلاقة والعاطفة الإنسانية النبيلة...


نسيت ُ أن أخبركم أني والمدعى عليها
لم نلتق إلا مرة
كانت فى الحلم !

وحينما يعود لواقعه نجده يتعذب ويتألم ومتأرجحا بين واقعه وأحلامه

وبين َ الحس
يقتلنا الواقعُ والحلم

باعتبار الحب صفة روحية ناتجة من وحدوية الوجود و وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة ، فمن المستحيل إذن أن يكره الجزء ذاته لذا دوما يعود إلى الكل
" الذات الكونية اللامحدودة" ، مخالفا الشاعر حسن حجازي مفهوم وحدة الوجود إنطلاقا من نزعته الفطرية الأصيلة والتي لا يتمتع بها إلا الفلاح المصري بحيث يجد في الله الملاذ الآمن عند الشدائد والمحن لمواجهة ضغوط المجتمع والفراغ العاطفي.... والذات الكونية اللامحدودة يطلق عليها حسب الفلسفة الهندوسية " الاتما " ، باعتبار أن الأتما ( روح المرء ) هي براهمان ( الله) وقد شرح مهاريشي أن أتما هو شمولي و براهمان أيضاً هو شمولية، وأوضح أنه لا يوجد شموليتين، بل هناك شمولية واحدة لأن أتما هو براهمان ( الله) يعني بأن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا..

توجه قلبي إليك
وتلمست ُ نورك َ
في روحي
فهدأت ,
فشعرتُ بأنك َ عُدتَني
ببعض ٍ من فيضك َ
فبكيت ,
فعلمت ُ عندها
أنه ُ لا ملجأ منك َ
إلا إليك !
هذه النزعة الفطرية الأصيلة الممزوجة بالصفاء الإيمان تتضح جليا في قصيدته "على بابك "... هذه النزعة الفطرية تتجسد في الحاجة إلى العودة إلى الله من خلال كثرة الاستغفار والتوبة والإنابة ، فالاستغفار هو الدواء الشافي من الذنوب والخطايا ، وتحقيق راحة البال وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب ، والله يرضى عن المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه...

جئتك َ
وعلى بابك َ
وقفتً
تائباً
فلا تردني ,
جئتكَ
وخلفي من الذنوب ِ
الكثير ُ
طامعاً
في عفوك َ

يقول الفريد دي فينيه : " بعد أن تعذبنا ، علينا أن نتعذب من جديد ، ويجب أن نحب دائما بعد أن أحببنا ..."
أما بودلير فيقول : " يوجد في فعل الحب شبه كبير بالتعذيب ..."

فيضيع ُ القلب ُ
فى بحور ِ العشق
ويتوه ُ العقل ُ
فى حرب ِ الجمال
لكني ما زلت ُ وحدي
مع القمر
يحاورني وأحاوره
يكذبني واكذبه
يجادلني وأجادله
ويكاد ُ يقنعني بأنك ِ مت ِ !!

وما يميز هذا الديوان وجود قصائد ، أستطاع فيها الشاعر حسن القبض على جمر القصيدة ، لتأتي بصور مكثفة ولغة شعرية مباغته تنم عن نضوج شعري لتوقع الدهشة في النفس وسرعان ما تلمع مثل وميض وتختفي وتركك في حالة انبهار منتزعة " الآه " من قلبك. اما أهم القصائد : خِلاف في الحب / في عيد الحب/ عندما تضحك يُمنة / مناجاة ...
ففي قصيدة خِلاف في الحب يقول :
اختلفنا
من يحبُ الآخر
أكثر
واتفقنا
أنك ِ أكثر
وأنا
أيضاً أكثر

أما قصيدة في عيد الحب يقول:
في عيد الحب
لن أقول َ لك ِ
(أحبك ِ)
في هذا اليوم
فما جدوى العيد
إن كنتُ أقولها
لكِ
في كل ِ يوم !

اما قصيدة عندما تضحك يُمنة والتي يتحدث فيها الشاعر عن ابنته يُمنة فقد شدني كثيرا هذا المقطع :
عندما تضحك يُمنة
أدرك ُ أن العالم َ ما زال بخير !

وهل هناك شيء في هذه الدنيا الفانية أجمل من رؤية البسمة على شفاه فلذات أكبادنا والتي تمنحنا الغبطة والأمل...؟!
أقول بصدق وشفافية وبدون مجاملة أو محاباة ، هذا المقطع عندما تضحك يُمنة / أدرك ُ أن العالم َ ما زال بخير ! ديوان شعر بالكامل ، وكيف لا...! ونحن نرى فلذات أكبادنا يقتلون أمامنا على شاشات التلفزة ، وتدك بيوتهم ومدارسهم بدم بارد ونحن نشاهد هذه الجرائم وكأننا أصبحنا هياكل محنطة ، ونراهم في شوارع الضياع في مدننا العربية التي تحولت إلى معتقلات وما زلنا نجلس على مقاهي العهر نمارس اللغو والنفاق وندخن تبغ القمع والدم...!
ألم يحن الوقت بعد لإعادة هذه البسمة المفقودة على شفاه فلذات أكبادنا..؟!
بهذه السؤال اختم قراءتي العابرة وأتقدم بالشكر الجزيل للشاعر المصري حسن حجازي على منحي الأمل بغد مشرق من خلال بسمة " يُمنة " لأمتنا العظيمة التي أنجبت الأنبياء والشعراء وقدمت الكثير من الشهداء الذين روا بدمائهم الطاهرة أرضنا العربية لأجلنا ، لأجل حريتنا
وكرامتنا ودفاعا عن أسمى القيم الأنسانية " الحب" الذي يسمو بالإنسان إلى شرفات الخلود.
منير مزيد
رومانيا
بوخاريست


Monday 18-08 -2008

حواء ...وأنا !" للشاعر حسن حجازي بقلم : أبو العينين شرف الدين


"حواء ...وأنا !" للشاعر حسن حجازي
بقلم :
أبو العينين شرف الدين
مشرف الصفحة الأدبية بجريدة العروبة القاهرية





قبل أن ندخل
مدينة الشاعر الضوئية ونتجول فيها نفتح آفاقاً فى بساتينِ شعره ونتعطرُ من
أريجِ الزمبقات , تقابلنا الدهشة للحروف
المُشَكَلة فى لوحاتٍ فنية من السحر الحلال ألا و هو الشعر .


الشعر وهو في أرقى المعانى والمشاعر حينَ يحلقُ الشاعر على جناح الخيال فيقول في قصيدة
"عُد يا قمرْ " :


"عُدْ يا
قمر

فالقلبُ من
لهيبِ الشوقِ
أضناهُ السهر ,
وفصولُ البوحِ
ماعادت لنا
ببشرياتِ الوصلِِ
تزفُ لنا خبر !"


النص الشعرى عند حسن حجازى منحوت من الشعور فهو تجربة
حياة , عمق المضمون وبساطة اللغة وتماسك البناء حين تسلسل الإيقاع فى نغم عاطفى
يحركُ الأحاسيس ويرقى بالمشاعر إلى الأرقى والأوقع , فهو يضفرُ الجمل فى هارمونى متناسق حين يقول في
قصيدة :

رسائلها " آخر "

أحرقتُ الرسائل ,
ومزقتُ الصور ,

وتناسيتُ السير ,

فى أحلى لقاء !
تلكَ رسالتي

أُحملها آنتى ,

ويأسي وشقوتي

وسأمي ووحدتي ,

من الغدِ القريب !


يارفيقَ نفسي

وقمري وشمسي

وعطر الأملِ فى يأسي

حانَ الوداع

فاحرق
لهيبَ خطاباتي

وانسى دفء أنفاسي


......





هنا انحساب دونَ
مقاومة واستسلام بالألم الواقع ,
ويصبحُ الحب ذكرى جميلة وعاطفة نبيلة , يَضحى بهذا المُحب في أجمل عاطفة وهو
يتحسرُ ألماً وشقاء , يحاولُ أن يقنعَ نفسه بأن الألم خارج
إرادته , لذا هو يستسلم للمشيئة
والقدر , هكذا يتألمُ مع الواقع ويبحثُ عن
وردةِ الحياة وهو يلاطمُ أمواج البشر –
الأفعال : أحرقتُ, مزقتُ , تناسيتُ إلى آخر القصيدة .. وترى أيضاً :


فأحرق لهيب
خطاباتى ,


وأنسى دفء
أنفاسى ؟





اللوعة والحيرة والقرار الصعب "حان الوداع "
الشاعر هنا فى هذه القصيدة يروى قصة حب : بداية ونهاية فى حبكة فنية حين يقول على لسانها في نهاية الرسالة/القصيدة :


فرجائى أن تعطيها رسائلى


وأن تعطيها صوري


إلا صورتنا
الأولى


فهى لك !

طابَ صباحكْ ؟





هو مشهد من قصة حب وما أكثرَ لوعةِ الحبِ وناره !


الشاعر صور لنا المشاهد في حبكة فنية مع جمال الشعر ,
فهو , حسن حجازى , رسمَ بريشةِ الشعر
جُملا ومفرداتٍ قصيرة مركزة بل
مُعبراً بأنهُ السحرُ الحلال أي الشعر كما
ذكرتُ أنفاً .


دعواتي للصديق
حسن حجازى بالتقدم فهو قد أصدر حتى الآن اكثر من
ديوان شعري : في انتظار الفجر ,
حواء ...وأنا , همساتٌ دافئة , التي في خاطري .


في مجال الترجمة أصدر كتاباً ورقياً بعنوان : "مختارات من الشعر الإنجليزي" قام
بترجمته للغة العربية بداية من الشاعر : سير توماس وايت مروراً بوليم بليك
..شكسبير.. وردثورث .. كيتس .. بيرون .. جون دون ... والكثير حتى وصل لفيليب لاركن
متخيراً نماذج جادة وراقية لهؤلاء الشعراء مع سيرة ذاتية مختصرة لكل شاعر, أقدمه
للدارسين في مجال الشعر الإنجليزي والأدب المقارن
. وأصدر أيضاً حسن حجازي بالتعاون مع د/أسماء غريب كتاب إلكتروني رائع


يحمل عنوان : " همسات من البحر الآخر " لنخبة
من الشعراء العرب حيث قامت د/ أسماء غريب
القاصة والشاعرة المغربية المقيمة بإيطاليا بالترجمة للإيطالية وقام شاعرنا حسن حجازي
بالترجمة للإنجليزية هذا بالتعاون مع دار النشر الرقمية الإيطالية الشهيرة : "كليبسيدرا"
والكتاب موجود ومنشور على الشبكة العنكبوتية بالمجان حيث تضمن لشعراء من مصر من
المغرب من فلسطين من العراق والكثير عبر امتداد الوطن العربي وخارجه .


قدم حسن حجازي هذا وهو قادر على أن يقدم الكثير الكثير
في مجال الشعر والترجمة الأدبية
والإبداعية .من هنا


نرجو من الهيئة العامة للكتاب بمصر الإهتمام بطباعة
ترجماته الأدبية , خاصة وأنه لحد علمي لديه ترجمة كاملة من الشعر الأمريكي لكتاب
شعري رائع بعنوان " بخصوص الكتاب
الذي هو جسد الحبيب " لشاعر أمريكي معاصر هو "جريجوري أورر" , هذا
الشاعر المترجم الذي يعمل بجامعة فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية وهو من
أصدقاء حسن حجازي الذي تتعدد صداقاته وتواصله مع العديد مع الجهات العلمية والصحف
الإلكترونية عبر أنحاء الوطن العربي والعالم .هذا الكتاب " جسد الحبيب "
استلهمه الشاعرالأمريكي من فكرة البعث
والخلود من الأسطورة المصرية القديمة
"إيزيس وأوزوريس " والنيل ومصر بتاريخها وتراثها وأمجادها
والكتاب قد أنتهى حسن حجازي من ترجمته
وتنقيحه للغة العربية وعلى استعداد
لتقديمه للطباعة من هنا من مصر حيث تمنى مؤلفه أن يخرج الكتاب وأن يُطبع في مصر
حيث يعود الفرع إلى الأصل .. ومن هنا نتمنى أن ترى مثل تلك الأعمال القيمة النور
لكي نثري بها مكتباتنا العربية وهو من أهم الدواوين الشعرية التي ظهرت في الولايات
المتحدة الأمريكية في الفترة الخيرة ...وحظيت باهتمام كبير هناك ..فهل ترى مثل تلك الأعمال النور أم تظل حبيسة الأدراج؟!



بقلم : أبو العينين شرف الدين



مشرف الصفحة الأدبية بجريدة العروبة القاهرية

09-02-2010


"حواء وأنا" .. حضور الذات ، وغياب العالم " إبراهيم حمزة

2 -

"حواء وأنا" .. حضور الذات ، وغياب العالم "

جرأة يحسد عليها أى شاعر ، أن يكتب ذاته فى ديوان كامل ، أن يحمل نايا وسط هدير المدافع وضجيج الكون ، أن يهدى زهرة وسط ركام الدمار والخراب ، جرأة "رمنسة" الزمن ، رغم عويل كل شىء فيه .
وديوان " حواء وأنا " نموذج شديد الصراحة فى الانحياز لعالم متخيل ، ورغم سيطرة اللون العاطفى بصيغه الرومانسية العذبة ، فقد امتلك الشاعر أدوات تشكيل خاصة به ، ليظل الأسلوب – منذ بيفون إلى الأبد – هو الرجل .

- فى مديح البساطة :
كثيرا ما يرجع تقييم النص الشعرى إلى ثقافة وذوق متلقيه ، ولا لا عجب من رفض المتلقين لشعراء كبار أو الاحتفاء بآخرين ، ولكن هناك شعور عام أن البساطة تمثل تسطيحا لشاعرية النص ، وهى التهمة التى ربما أفسدت الشعر العربى فى بعض العصور ، وديوان "حواء وأنا " فى ظاهره ديوان لا يخفى منذ ذاته شيئا ، ولا يتحجب فى مواجهة القارىء ، ديوان يعترف ببساطة آسرة بانحيازه لقارئه :
اعترفُ بأني أحبك ِ حبا ً /ليس كحبِ البشر/ حباً طهرني عَلمني
أحبَ الناسَ / و أحبَ القدرْ /حباً يدخلني أعماقَ الطهرِ/ يُرجعني لأيام السمرْ
أعترفُ بأنكِ لستِ الأولى"
لكن هذا الظاهر البسيط يخفى وراءه عمقا مضمونيا ، يتوسل بلغة غاية فى اليسر ، وأحيانا العادية فيقدم الشاعر نصه بتقريرية، لكنها تخفى بناء متماسكا ، من خلال لغة بسيطة لا تزدحم بتشكيل بلاغى ، بقدر ما تتوهج بموسيقاها ، وتقترب من قارئها بصدقها ، وكأن الشاعر يستعير لغة الناس ، وكأن الشعر هنا بتعبير "كليف بيل " أحد علماء علم الجمال - الشعر خامة موجودة فى نفوس الكل ، ولكن التعبير عنها والتعبير فقط هو الذى سيخلق الشعراء " .
وسعيا وراء البساطة يتناص الشاعر مع قصائد متفردة شهيرة فى العصر الحديث ، يقول :
ثوبُ الزفافِ أبيض/ لونُ الكفنِ أبيض/ أهناكَ فرقٌ بينَ أبيضٍ وأبيض ؟/ الناسُ في بلدتي ما زالوا / يزورونَ القبور/ ويحرقونَ البخور/ ما زالوا يتبركونَ بالأولياء/ يؤمنونَ بالأسياد/ ويوَفونَ النذور !)
النص يحيل بلا شك على " خبز وقمر وحشيش " وعلى " الناس فى بلادى " وعلى " أوراق الغرفة8 " ... هذه الأصوات التى تتناص معها القصيدة عَرَضا أو قصدا ، يؤكد سعى الشاعر للقصيدة العامة ، التى تتخذ موقفا ومبدأً وتتعامل بلا عُقد مع المنجز الشعرى الأكثر شهرة ، تجاوباً مع شاعرية راسخة ،
لذا – وسعيا وراء هذه البساطة ، يتناص الشاعرأيضا مع نصوص صوتية ، أى مسموعة فضلا عن كونها مقرؤة ، كقوله (فضحكت عيونهُ لمَا/ مستْ يدى منهُ اليدا/ يا لعهدٍ كمْ حفظناهُ/ على طولِ المدى/ لغرامٍ واشتياقٍ/ فى حديث ٍ ولِقًّا/ يملأ ُ العمرَ نقاء/ وهدى/ يا حبيبا ً قد وَفَى / فى زمانٍ / كم نسى معنى الوفا )
بهذه اللغة المستسلمة لعصر التألق والتأنق الرومانتيكى للقصيدة ، يستبدل الشاعر صدقه بتدفق الخيال ، متناصا مع قصائد كالأطلال " مثلا ، مؤكدا على انحيازه للبساطة أو ما أسمته العرب بـ " دنو المأخذ " هذا التعبير العميق الذى صكه ابن المعتز فى " البديع " وجعله قرين الألفاظ التى هى فى عذوبة الماء الزلال والمعانى التى هى أرق من السحر الحلال "
ما دليل الشاعرية إذن ؟ دليل الشاعرية يكمن فى السهل الممتنع الذى ينسج الشاعر به شعره ، محملا شعره نفسا أسيانا حزينا ملتاعا
(لن ترهبني النهاية/ إنى لا أخاف القيامة/ لأني والموتُ سواء !/ قيامتي كانت بالأمس ِ/ عندما مات فى القلب ِ نبضي/ فحفرتُ بيدي رمسي/ ودفنت ُ فيهِ نفسي)
هنا شاعرية دالة على ما يسمى بالسهل الممتنع والذى عرّفه ابن المعتز بأنه
( أطبع ما يكون الشعر )
ورغم ذلك فقد حمّل الشاعر قصيدته تلك - وقفة فى محكمةِ الصمت – موقفه من الحياة والكون ، فى إحساس وجودى عميق ، يصل بالحياة فى تصوره إلى عدمية مخيفة ، ومن هنا استطاع الشاعر أن يستخدم إطارا غير معقد لمعنى شديد العمق .

ـ الشاعر وقضاياه :
الهم الأساسى للديوان هو الهم العاطفى ، ربما حاول الشاعر موازنة العاطفة بغيرها من القضايا فيما اضافه من قصائد جديدة مثل " وتتعامد الشمس " و" ابتهال " ، "درويش " و" ألسنا بشر " ولا تراهن " وهى قصائد مكتوبة حديثا ، ورغم لك فالقضية العاطفية لها حضورها ، وذلك بالمعنى الأشمل للمضمون باعتبار أن الفن – كما يقول كروتشيه – ليس تعبيرا عن الحياة ، بل إضافة وتنمية لهذه الحياة " ولذا تسعى القصيدة لدى حسن حجازى ، للتعبير عن كافة همومه كمثقف عربى ، تنتابه مشاعر تنتاب الناس جميعا ، لكنها تتحول فى يد الشاعر إلى حالة من الوهج ، مثلما رأيناه يصل لحالة من الصوفية فى " ابتهال "
" فشعبنا ضعيفٌ/لا يريد سوى/لقمةَ العيشِ/الحلال ،/فاحفظنا من نفوسنا/
ومن مكائدِ الإنسان!"
هذه القدرة على النفاذ للشعر من خلال اللغة المعتادة ، لغة الحياة اليومية ، والتى كان لصلاح عبد الصور فضل إشاعتها فى قصائده ، تؤكد سعى الشاعر لأن يكون صوت من لا صوت له .
هناك من القصائد ما يشذ عن الديوان مثل " ألسنا بشر " والتى جاءت مصنوعة استجابة لظروف ما ، أو لحدث سياسى ، تكمن فيها مزالق الشعر السياسى بشكل عام ، وأهمها : السطحية ، وارتباط الحدث بالوقت ، مما يعرضه لزوال تأثيره بزوال المؤثر .
يبدو "حسن حجازى " شاعريا فى كافة حالاته وإحالاته ، ويبدو دائما قادرا على ممارسة الحياة كشاعر ، وهو فرض صار شديد الرومانتيكية فى لهيب هذا العصر .

إبراهيم محمد حمزة
24نوفمبر 2009م

رؤى نقدية فى ديوان : "حواء وأنا " 1

رؤى نقدية فى ديوان : "حواء وأنا "


1-
سبيلُ الواقعِ إلى التخييلِ
في نصوص حسن حجازي

لئن كانت اللغةُ شريعةَ الشعراء ومنفذَهم إلى الهواءِ الصَفيِّ الذي يُخفِّفون به من لَفْحِ حُمّى جَدِّهم المتنبّي، فإنّ علاقتَهم بها بقيتْ محكومةً ببعضِ التوتُّرِ حينًا حيث يكثُرُ فيها الجَذْبُ نحوَ استسهالِ تَعاطِيها وما ينجرُّ عنه من إسهالٍ في معانيها، وحينًا آخر يحكمُها بعضُ تواصُلٍ حميمٍ حَميمٍ حتى لَكأنّه عِنَاقُ وَداعٍ دامعٍ بين الذّاتِ الشاعرةِ والمعنى المُنْجَزِ يُخيَّلُ لنا معه أنّ الشاعرَ كتبَ قصيدتَه كما لو كان سيمضي إلى حتفِه في المجهولِ. ولأنّ أمرَ اللغةِ مع الشعراء على ما وصَّفْنا، فإنَّ بعضَ المبدعين اختاروا لهم منزلةً بين المنزلتَيْن: فلا هم ينزلون بالمعنى إلى حضيضِ التأويلِ ولا هم يتصوَّفون فيه حتى يستغلِقَ على فهمِ المتلقّي. ولعلّ الشاعرَ المصريَّ حسن حجازي واحدٌ من هؤلاء، حيث تَشي نصوصُه في جميع مجموعاته الشعريّة بكونِه اعتنَقَ اللغةَ مذهبًا فذهبَ في عبادَتِها مذاهبَ فنيّةً فاضتْ فيها أريحيّاتُه عن اللَّفْظِ وكادت تصيِّرُهُ تَنّورًا يهيجُ بأعشابِ روحِه النُّورانيّةِ في شعابِ الأرضِ ومفازاتِها.
وبعد أنْ وزّعَ حسن حجازي جهودَه الفكريّةَ صنفيْن: صِنفًا إبداعيًّا شعريًّا وصنفًا إبداعيًّا خصّصه لترجمة أشعارٍ عالميّةٍ، تمكّن من التموقع في فضاءات مشهدنا الثقافيّ المصريِّ والعربيّ والعالميِّ تموقُعًا متبصِّرًا بأشراطِ الوجودِ التخييليِّ وقوانينِ الوجودِ الفيزيائيِّ، وهو أمرٌ سهّل عليه تجسيرَ علائقِ ذاتِه الفنيّةِ مع مجموعةٍ من القِيَمِ التي انعقدَ عليها مشروعُه الشعريُّ مثل الحُبِّ والعدلِ والحريّةِ والتسامُحِ:
والشعرُ إلهامى وفني
عذبني أضاعَ العمرَ
مني (قصيدة: هي ...والشعر)
إنّ رِغْبةَ وُلوجِ عالَمِ حسن حجازي الشِّعريِّ تبقى مِلْحاحةً نظرًا إلى ما يمكنُ أن تصيرَ إليه من مُغامرةٍ في المعنى مليئةٍ بالتجاوُزِ. وهي مغامرةٌ يَغْشَى فيها المتلقّي، منذُ عتباتِ النصوصِ، شيءٌ من الدَّيْخُوخةِ التي تُفرِغُه من تصوُّراتِه المألوفةِ عن العالَمِ بأشيائه وكائناتِه وترمي به في أَتُّونِ الإدهاشِ حيث تنفتحَ أمامَه أبوابُ المُمْكنِ ويتورَّطَ في تَجْرُبةِ الكشفِ الدَّلاليِّ حتى تنكشِفَ فيه مكنوناتُه ويتعرّى من صمتِه وتَشْتو فيه معانيه فَيْضًا هادِرًا، يتحوّلُ فيه إلى مُنْتجٍ لنصوصِ هذا الشاعرِ بالقوّةِ تحليلاً وتأويلاً.
إنّ نِظرةً في متنِ هذه المجموعة يُحيلُنا إلى شغفِ حسن حجازي بتوصيف تفاصيلِ المعيش اليوميِّ سعيًا منه إلى الارتقاء بطينِ الواقع من مرارته إلى ألقِ التخييلِ ولذاذتِه. فهو يتخذ إلى الواقع سبيلَ التفكيكِ والتعريةِ يتغيَّا من وراء ذلك طرحَ مجموعة من الأسئلةِ التي تعانِقُ الإنسانَ في بساطتِه وفي تشابك علائقِه مع عناصر محيطِه. وإذْ يفعل ذلك، يحشُرُ القارئَ في مشهديّةٍ أليمةٍ يكون بطلها ورائيها، لكأنّ كلَّ قصيدةٍ من هذه المجموعة هي مرآةٌ تتمرأى عليها مسكوتاتُ القارئِ بجميعِ أبعادِها ومن جميع زوايا النّظر الممكنةِ. فعين الشاعر حسن حجازي، تُجيدُ مسحَ المرئيّاتِ مسحًا لا يُغفِلُ أدقَّ التفاصيلِ فيها:
قطعت سكونَ الليل ِ
قهقهةُ امرأة ٍ مخمورة
يقبلها رجلٌ مخمور
يعريها يحضنها
يقتلها فى دمه
نسيا إغلاق َ الشرفة
فأغلقَ هو شرفتهُ
وبكى فى يأس ٍ
وحدتهُ
(قصيدة : في المدينة)
وفي ختام هذه التوطئة، نزعم أنّ قارئًا لنصوص الشاعر حسن حجازي يُلفي فيها أغلبَ آفاقِ انتظاراتِه من كلِّ فعلٍ إبداعيٍّ، لا بل إنّ هذه النصوصَ الشعريّةَ، وهي تمتَحُ عجينتَها الأولى من لَحْمةِ الواقعِ، لن تُخيِّبَ ظنَّ مُتلقّيها في دفءٍ لغويٍّ مليءٍ بالصِّدْقِ القوليِّ.
بقلم:
د/عبد الدائم السلامي
* باحث جامعي من تونس

الأربعاء، 1 يونيو 2011

الهاربة /شعر اسماء صقر القاسمي /حسن حجازي














الهاربة
بقلم
أسماء صقر القاسمي
/////

هاربة أنا منّي إليّ
من دوني ...من دونهم
وحدي أناجي وحدي
أحدّق في خطوط يدي
أحاول...
أقرأ أخبارها
أفكّ طلاسمها
وأجلي أسرارها
أبحث عن مدخل لكينونتي
تتملّكني رغبة
في أن أعرفني وأحاورني
إماّا أن أقتنع أو أقنعني

//////



The fugitive

By:
Assma Sakir El-Qasseme

Translated By :
Hassan Hegazy
Egypt

//////


Running away
From me to me
Alone
Without me
Without them
In my soliloquy
Me conversing me
Gazing at my hand's lines
Trying to read her news
To solve her mysteries
To clarify her secrets
Looking for a key
to my identity
A desire holding me tight
For me to know me
Arguing me
Either to convince
Or to convince my self